للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طاف على نسائِه بعدَ التَّطَيُّب، وإذا طاف عَليهنَّ اغتَسَل لا مَحالة، فكان بينَ إحْرامِه وتَطَيُّبِه غُسْلٌ. قالوا: فكأنّ عائشةَ إنَّما أرادَتْ بهذا الحديثِ الاحْتجاجَ على مَن كَرِه أن يُوجدَ من المحرم بعدَ إحْرامِه ريحُ الطِّيب، كما كَرِه ذلك ابنُ عمر. وأمّا بَقاءُ نَفْسِ الطِّيب على المحرم فلا.

قال أبو عُمر: هذا ما احْتَجَّ به مَن كَرِه الطِّيبَ للمحرم من طريقِ الآثارِ ومن طريقِ النَّظَر. وقال جماعة من أهل العِلْم: لا بأسَ أن يتَطيَّبَ المحرمُ عندَ إحرامِه قبلَ أن يُحْرِمَ بما شاء من الطِّيب، مما يَبقى عليه بعدَ إحرامِه ومما لا يَبقَى. وممن قال بهذا من العلماء: أبو حنيفة، وأبو يوسف، والثَّوريُّ، والشافعيُّ وأصحابُه، وأحمدُ بنُ حنبل، وإسحاقُ بنُ راهُوية، وأبو ثَوْر، وجماعة. وجاء ذلك أيضًا عن جماعةٍ من الصحابة؛ منهم: سعدُ بنُ أبي وَقّاص، وابنُ عبّاس، وأبو سعيدٍ الخُدريُّ، وعائشةُ، وأمُّ حبيبة، وعبدُ الله بنُ الزُّبير، ومعاوية. فثبتَ الخلافُ في هذه المسألةِ بين الصَّحابةِ ومَن بعدَهم. وكان عُروةُ بنُ الزُّبير، وإبراهيمُ النخعيُّ، وسعيدُ بنُ جبير، والحَسَنُ البَصْريُّ، وخارِجَةُ بنُ زيد، لا يَرَوْنَ بالطِّيبِ كلِّه عندَ الإحْرام بأسًا.

والحُجَّةُ لمن ذهبَ هذا المذهبَ حديثُ عائشةَ قالت: طيَّبْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لحُرْمِه قبلَ أن يُحْرِمَ، ولحِلِّه قبلَ أن يطوفَ بالبيت. هذا لفظُ القاسم بنِ محمد، عن عائشة (١)، ومثلُه روايةُ عطاء، عن عائشةَ في ذلك (٢).


(١) الموطأ ١/ ٤٤١ (٩٢٠)، وهو في البخاري (١٧٥٤)، ومسلم (١١٨٩) (٣٢)، وسيأتي الكلام عليه مفصلًا في باب عبد الرحمن بن القاسم.
(٢) نص حديث عطاء عن عائشة: "طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رمى الجمرة قبل أن يفيض"، وهو الذي أخرجه ابن وهب في الجامع (١٢٠٧)، والطيالسي (١٥٩٦)، وإسحاق بن راهوية في مسنده (١٢٠٧)، وهو عند أحمد ٢/ ١٣٠ (٣٦٠٦) بلفظ: "طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحرمه ولحله".

<<  <  ج: ص:  >  >>