للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يطوفَ بالبيت (١). وهذا بمَحْضَرِ جماعَة الصحابة، فما رَدَّ قولَه ذلك عليه أحَدٌ، ولا أنكَرَه منكِرٌ. وجاء عن عثمانَ في ذلك مثلُ مذهبِ عمر (٢). وعن ابنِ عمرَ مثلُ ذلك. ولا يقعُ في القَلب أنَّهم جَهِلوا ما روَتْ عائشة، ولا أنّهم يقْصِدون خِلافَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكنّهَ يُمكنُ أن يكونَ عَلِموا نَسخَ ذلك، وإذا كان ذلك ممكِنًا فالاحتياطُ التَّوقُّفُ، فمَن اتَّقى ذلك فقدِ احتاطَ لنفسِه.

قال: وأمّا التابعون فاختلَفوا في ذلك أيضًا؛ فذهَب جماعةٌ منهم إلى ما رُوِيَ عن عائشة، وجماعةٌ إلى ما رُوِيَ عن عُمر. وقال أبو ثابت: قلتُ لابن القاسم (٣): هل كان مالكٌ يَكرَهُ أن يَتَطيَّبَ إذا رَمَى جَمْرَةَ العَقبةِ قبلَ أن يُفيضَ؟ قال: نعم. قلت: فإن فعَل، أترَى عليه الفِدْيَة؟ قال: لا أرَى عليه شيئًا؛ لِمَا جاء فيه. وقال مالك: لا بأسَ أن يدَّهِنَ المحرمُ قبلَ أن يُحْرِمَ وقبلَ أن يُفيضَ بالزَّيتِ والبانِ غيرِ المُطَيِّبِ مما لا ريحَ له.

قال أبو عُمر: لا معنى لمَن قاس الطِّيبَ على الثِّيابِ والصَّيد؛ لأنَّ السنةَ قد فرَّقَتْ بينَ ذلك، فأجازَتِ التَّطيُّبَ عندَ الإحْرام بما يُرى بعدَ الإحْرام في المفارِقِ والشَّعَرِ ويُوجدُ ريحُه من المحرم، وحَظرَتْ على المحرم أن يُحْرِمَ وعليه شيءٌ من المخيط، أو بيَدِه شيءٌ من الصَّيْد. ومَن جعلَ الطِّيبَ قياسًا على الثِّياب والصَّيْد، فقد جمع بينَ ما فَرَّقَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأكثرُ المسلمين بينه.

وقد شَبَّهَ بعضُ الفقهاءِ الطِّيبَ قبلَ الإحْرام بالواطئ قبلَ الفَجْرِ يُصبحُ جُنُبًا بعدَ الفَجْر، ولم يكن له أن يُنشئ (٤) الجنابةَ بعدَ الفَجْر. وهو قياسٌ صحيحٌ


(١) الموطأ ١/ ٥٤٧ (١٢٢٥).
(٢) قال ابن أبي شيبة: "حدثنا وكيع، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه أن إبراهيم رأى رجلًا قد تطيب عند الإحرام فأمره أن يغسل رأسه بطين". المصنف (١٣٦٧٦).
(٣) المدونة ١/ ٤٤١.
(٤) في ط: "يبتدئ" وهي بمعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>