للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن شاء الله، ولكنَّ الكارِهَ للمُحْرِم أن يَشُمَّ الطِّيبَ بعدَ إحْرامِه إذا أجاز التَّطيُّبَ قبلَ الإحْرام، مُنِاقِضٌ تارِكٌ للقِياس؛ لأنَّ الاستِمْتاعَ من رائحَةِ الطِّيبِ لمَن تَطيَّبَ قبلَ إحْرامِه أكثرُ من شَمِّه من غيره، واللهُ أعلمُ، وهم لا يُجيزُونَ مَسَّ الطِّيبِ اليابسِ ولا حَمْلَه في الخِرَقِ إذا ظهَرَ ريحُه. وهذا كلُّه دليلٌ على صحَّةِ قولِ مَن كَرِه الطِّيبَ للمُحْرِم، وهو الاحْتياط، وبالله التوفيق.

واختلَفَ الفقهاءُ فيمَن تَطيَّبَ بعدَ إحْرامِه جاهِلًا أو ناسِيًا؛ فكان مالكٌ يرَى الفِدْيَة على كلِّ مَن قَصَد إلى التَّطيُّبِ بعدَ إحْرامِه، عامِدًا أو ناسِيًا أو جاهِلًا، إذا تعلَّقَ بيَدِه أو ببَدَنِه شي ءٌ منه (١). والطِّيبُ: المِسْكُ، والكافورُ، والزَّعْفَرانُ، والوَرْسُ، وكلُّ ما كان مَعروفًا عندَ الناسِ بأنّه طِيبٌ لطِيبِ رائِحتِه. وأمّا شَمُّ الرَّياحِين، والمرورُ في سُوقِ الطِّيب - وإن كان ذلك مَكروهًا عندَه - فإنّه لا شيءَ على مَن وصَل إليه رائحَتُه إذا لم يَعْلَقْ بيَدَيْه أو بدَنِه منه شيء.

وقال الشافعيُّ (٢): إن تَطيَّبَ جاهِلًا أو ناسِيًا فلا شيءَ عليه، وإن تَطيَّبَ عامِدًا فعليه الفِدْيَة. قال: والفَرقُ في التَّطييبِ بينَ الجاهل والعامد أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمرَ الأعرابيَّ وقد أحْرَمَ وعليه خَلُوقٌ بنزع الجُبَّةِ وغَسْلِ الصُّفْرَة، ولم يأمُرْه بفِدْيَة، ولو كانت عليه فِدْيَة لأمرَه بها كما أمرَه بنَزْع الجُبَّة. لم يختلفْ قولُ الشافعيِّ في الجاهل، واختلَف قولُه في الناسي يلبَسُ أو يتَطيَّبُ ناسِيًا؛ فمغ أوْجَبَ عليه الفِدْيَة، ومرَّةً لم يَرَ عليه فِدْيَة.

وفي هذا الحديثِ ردٌّ على مَن زَعَم من العلماءِ أنَّ الرجلَ إذا أحْرَم وعليه قميصٌ كان عليه أن يَشُقَّه. وقالوا: لا يَنبَغي أن يَنْزِعَه كما يَنْزعُ الحلالُ قَميصَه؛ لأنّه إذا فعَل ذلك غطَّى رأسَه، وذلك لا يجوزُ له، فلذلك أُمِر بشَقِّه. وممّن قال


(١) المدونة ١/ ٤٠٨.
(٢) الأم ٧/ ٢٢٧، ومختصر المزني ٨/ ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>