أنه سني حريص على سنيته بقدر ما هو صوفى حريص على صوفيته، فكان عليه أن يرضى أوساط أهل السنة فى الوقت الذي كان عليه أن ينفع الصوفية، وأن يوضح لكلا الطرفين أن الأصول والفروع فى الحالين مستمدة من كتاب الله الكريم.
ولقد أعان القشيري فى عمله أنه صنّف قبل «اللطائف» كتابا كاملا فى تفسير القرآن على نحو تقليدى هو «التيسير فى التفسير» - الذي حصلنا على مصورة للجزء الخامس منه من أكاديمية العلوم السوفيتية- ونجده فى «التيسير» يعنى أشد العناية باللغة والاشتقاق والنحو وأسباب النزول والأخبار والقصص. وقد صنّفه قبل أن يلتقى بشيخه الدقاق أي قبل أن يسلك المسلك الصوفي، فأعانه ذلك على أن يفقه العبارة من معظم زواياها المتصلة بالظاهر، حتى إذا بدأ يكتب «اللطائف» كان طريقه إلى الإشارة وإلى فقه الباطن ممهدا، ومناله ميسورا، وآفاقه مفتّحة.
سار القشيري فى «اللطائف» على خطة واضحة محددة التزم بها من أول الكتاب إلى آخره، فهو يبدأ بتفسير البسملة كلمة كلمة، وأحيانا حرفا حرفا، والبسملة تتكرر بلفظها فى مفتتح كل سورة، ومع ذلك فإننا نجده يلجأ إلى تفسير كل بسملة على نحو ملفت للنظر إذ هى تختلف وتتنوع ولا تكاد تتشابه، ويزداد إعجابنا بالقشيري كلّما وجدنا تفسير البسملة يتمشى مع السياق العام للسورة كلّها، فالله والرحمن والرحيم لها دلالات خاصة فى سورة القارعة، ولها دلالات أخرى فى سورة النساء ولها دلالات خاصة فى الأنفال وهكذا ...
ونستنتج من ذلك عدّة نتائج:
أولا: أنه يعتبر البسملة قرآنا وليست كما يقول البعض- شيئا يستفتح به للتبرك، شأن ما نصنع فى بداية أقوالنا وأفعالنا (انظر «المغني» للقاضى عبد الجبار المتوفى سنة ٤١٥ هـ ج ١١ ط وزارة الثقافة (تراثنا) ص ١٦١) .
ثانيا: أنه مادام يعتبر البسملة قرآنا، ومادام يجد لها مقاصد متجددة، فكأنه لا يؤمن بفكرة التكرار فى القرآن، وفى ذلك يقول فى الورقة الثالثة من