فهو منذ الصفحة الأولى فى «رسالته» يحاول أن يعرّف بأن عقيدة الشيوخ «الذين بهم اقتداء» عقيدة سليمة لا تخرج في قليل أو كثير عن عقيدة التوحيد الرائقة الصافية، ثم يسير فى تراجم الشيوخ ليختار لك من أقوالهم وأخبارهم وأفعالهم ما يؤيد ذلك، ثم يبوّب رسالته إلى التوبة والزهد والتوكل والرضا والمحبة ... إلخ. ولا ينثنى عند استفتاح كل باب عن ذكر آيات من كتاب الله الكريم بعدها أحاديث وأخبار عن الرسول صلوات الله عليه..
لماذا كل ذلك؟ لكى يثبت أن هناك لقاء بين الشريعة والحقيقة، وأنهما وجهان لشىء واحد..
تلك هى الغاية القصوى التي يطمح إليها هذا الإمام الجليل، والتي من أجلها نذر عمره، وخصص جهده، ولم يضن عليها بشىء في استطاعته، ولم يفارقه الطموح إليها فى مصنّف من مصنفاته ... وما أعظمها وما أشرفها من غاية! فإذا كنّا أخرجنا من نطاق التفسير الإشارى هذه التفاسير المنسوبة لبعض المنتسبين للتصوف فأولى أن نخرج من هذه التأويلات الاعتزالية والشيعية والبدعية والإلحادية وغيرها مما تعتمد فى مباحثها على أن للقرآن ظاهرا وباطنا، ذلك لأن قضية الظاهر والباطن استغلت استغلالا سيئا لخدمة الكثير من العقائد الهدّامة، وارتكبت فى حق الظاهر القرآنى جرائم خطيرة حين أريد له أن يؤول لنصرة الأغراض المريضة والدعوات الجامحة، وفى ذلك يقول التفتازانيّ فى شرح العقائد النسفية:«سميت الملاحدة باطنية لا دعائهم أن النصوص ليست على ظواهرها بل لها معان باطنة لا يعرفها إلا المعلم، وقصدهم بذلك نفى الشريعة بالكلية» ، ويستدرك التفتازانيّ قائلا:«وأمّا ما يذهب إليه بعض المحققين من أن النصوص على ظواهرها ومع ذلك فيها إشارات خفية إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة فهو من كمال العرفان ومحض الإيمان»(شرح العقائد النسفية ط الحلبي سنة ١٣٢ هـ) .
والذي نحمده للقشيرى وينبغى أن نشيد به فى هذا التقديم أنه حرص أشد الحرص على النص القرآنى، وأنه التزم بالنظر إليه نظرة اعتبار وتقديس، وكان عمله أشبه بمن يقبس قطفات من الضوء من مشكاة كبيرة ينير بها الطريق أمام الزهاد والعارفين، دون أن يتورط فى تعسّف أو ينزلق فى درب من دروب الشطط، والسبب الهام الذي يعود إليه هذا المنهج