مركبة على سنّة الأحباب فى ستر الحال، وإخفاء الأمر على الأجنبى من هذه القصة، قال شاعرهم:
قلت لها قفى قالت قاف ولم يقل وقفت سترا عن الرقيب، ومراعاة لقلب الحبيب، وهكذا تكثر العبارات للعموم، والرموز والإشارات للخصوص أسمع موسى كلامه فى ألف موطن، وقال نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم:«أوتيت جوامع الكلم فاختصر لى الكلام اختصارا» وقال بعضهم:
قال لى مولاى ما هذا الدنف ... قلت تهوانى قال: لام ألف
... ... ويمضى القشيري بعد ذلك فيستخرج للصوفية إشارات ثمينة مما يصادفه فى الآية من حكم تشريعى يتصل بالقتال والغنيمة والأسر والكيل والميزان والدين والشهادة ونحو ذلك أو كلام فى العبادات كالصوم والصلاة والحج والزكاة أو ما يعود بالآية إلى أسباب نزولها والأخبار والقصص التي رويت من حولها، أو ما تحتوى من مظاهر قدرة المولى- جل وعلا- فى خلق الإنسان والكون.
وينبغى ألا ننتظر من القشيري إسهابا فى الأحكام الفقهية والقواعد التعبدية والأسانيد ونحو ذلك فما لهذا ألّف كتابه، ولا يصح للقارئ أن يتوقع منه ذلك فهناك تفاسير مخصوصة وضعت للوفاء بهذه الأمور، إنما قصد القشيري إلى استمداد شىء نافع للصوفية يتدعم به رأى من آرائهم أو عمل من أعمالهم، فهذا هو مقصوده، وتلك مراميه، ونحن من أجل ذلك نقول بلا تحفظ إن «لطائف الإشارات» يمثل تمثيلا صادقا مذهب القشيري فى التصوف أكثر مما تمثله «الرسالة» فهو يغنى عنها وهى لا تغنى عنه.
وعلينا الآن أن نسوق أمثلة قليلة توضح موقف القشيري فى تلك الأمور حتى يعرف القارئ منذ البداية أي نوع من التفسير ذلك الذي نضعه بين يديه. ففيما يختص بالأحكام التشريعية نراه مثلا عند الآية الكريمة «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ» يقول:
الغنيمة ما يحصل عليه المؤمنون من أموال الكفار إذا ظفروا عند الجهاد والقتال. ولمّا كان الجهاد قسمين: جهاد الظاهر مع الكفّار وجهاد الباطن مع النفس والشيطان، وكما أن للجهاد