وفي أواخر هذا الشهر قوي أمر الطاعون بالقاهرة، وفشا أمره بعد مضي أيام فطر النصارى، وهي التي يسمونها الخماسين. وقد ظهرت التريا، واستمر الطعن عمالا حتى دخل شهر بؤونة القبطي ونزلت النقطة، وهذا بخلاف العادة حتى عد من النوادر. لكنه كان خفيفا بالنسبة لما جاء بعده في سنة عشر وتسعمائة. وقد وقع الطاعون في سنتين متواليتين حتى عد من النوادر.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشرينه، كانت وفاة خوند فاطمة ابنة العلاء علي بن خاص بك، وهي زوجة الملك الأشرف قايتباي، ثم تزوجت بعده بالعادل طومان باي، وقيل تزوجت بالأشرف قانصوه خمسمائة في الخفية على ما يقال، وكانت من مشاهير الخوندات في سعة من المال وقد ظهر لها فيما بعد تركة حافلة، وأقامت في الخونداتية وهي صاحبة القاعة نحوا من ثلاثين سنة، وأظهرت من الفتك والعظمة ما لا أظهره غيرها من الخواندات، وماتت وهي في عشر الستين سنة من العمر. ولما ماتت أخرجت في بشخانة زركش، ومشت قدامها القضاة الأربعة والأمراء المقدمون. ونزل السلطان وصلى عليها في سبيل المؤمنين، ونهب العوام الكفارة من قدامها، حين وصلت إلى رأس الصليبة، وكان لها جنازة حافلة.
وجرت عليها في أواخر عمرها شدائد ومحن، منها أن المماليك الجلبان، هجموا عليها وهي في دارها التي بجوار قنطرة سنقر، وطلبوا منها نفقة، وأغلظوا عليها في القول، وقصدوا الإخراق بها. وكان القائم في ذلك طائفة من المماليك، من حلف الأمير أقبردي الدوادار. فلما بلغ الملك الناصر ذلك تعصب لها، ونادى في القاهرة بأن طائفة المماليك قاطبة لا يتوجهون إلى بيت خوند زوجة الأشرف قايتباي، ولا يقفون لها على باب، وكل من فعل ذلك شنق بلا معاودة، فانكفوا عنها من يومئذ. وسبب ذلك أنه قد بلغ المماليك بأن خوند قد تزوجت بقانصوه خمسمائة في الدس، فلما قتل تحرشوا بها وطلبوا منها نفقة، واستمرت مختفية عن بيتها مدة من بعد ذلك.
ومنها أن الظاهر قانصوه صادرها، وأخذ منها مالا له صورة، ووكل بها جماعة من الخدام حتى أوردت ما قرر عليها. وكذلك الملك الناصر أخذ منها جملة مال. ثم أنها تزوجت من بعد ذلك بالعادل طومان باي فأقامت معه نحوا من شهرين، وجرى له ما جرى. واستمرت من بعد ذلك مريضة وقد طلع لها في خدها أكلة، وأقامت بها مدة طويلة، فلما ثقلت في المرض توجهت إلى بولاق، ثم ماتت هناك، وحملت وهي ميتة إلى دارها التي بجوار قنطرة سنقر، فأخرجت جنازتها من هناك.