فأما الأمير سلار فامتنع من السلطنة بكل ما يمكن، وحلف على ذلك بالطلاق الثلاث من نسائه.
فلما جرى ذلك وقع الاختيار على سلطنة الأتابكي بيبرس الجاشنكير. وأما الأمير سلار فبقي نائب السلطنة على عادته، ثم تحالف سائر الأمراء على ذلك وأنهم يكونون كلمة واحدة.
ثم أحضروا خلعة السلطنة والفرس إلى بيبرس الجاشنكير، وتولى السلطنة. فكانت مدة سلطنة الناصر محمد بن قلاون في هذه المرة - وهي السلطنة الثانية - عشر سنين وأياما.
قيل وكان سبب توجه الملك الناصر إلى الكرك أنه كان مع سلار النائب وبيبرس الجاشنكير كالمحجور عليه، لا يتصرف في شيء من أمور المملكة إلا باختيارهما، حتى قيل أنه طلب خروفا رميسا بدريا فمنع من ذلك، وقيل له حتى يجيء القاضي كريم الدين كاتب الأمير بيبرس الجاشنكير … فغضب السلطان من ذلك، وأظهر أنه يريد الحج في تلك السنة، فلما خرج من القاهرة توجه إلى الكرك وأقام بها كما تقدم، وأخذ عياله من العقبة.
وسيعود بعد ذلك إلى الملك كما سيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
- الملك المظفّر
هو الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير المنصوري، وهو الثاني عشر من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية. بويع بالسلطنة بعد خلع الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاون، وتلقب بالملك المظفر، فركب بشعار السلطنة من الايوان الأشرفي، وحملت القبة والطير على رأسه، ومشت الأمراء بين يديه حتى جلس على سرير الملك، والأمراء قبلوا له الأرض، ونودى باسمه في القاهرة، وضج له الناس بالدعاء، وذلك في يوم السبت بعد العصر الثالث والعشرين من شهر شوال من سنة ثمان وسبعمائة.
فلما تم أمره في السلطنة خلع على الأمير سلار واستقر به نائب السلطنة على عادته، وخلع على الصاحب ضياء الدين النشائي واستقر به وزيرا، وخلع في ذلك على جماعة كثيرة من الأمراء والمباشرين حتى قيل أنه خلع في ذلك اليوم ألفين ومائتي خلعة، ما بين كوامل سمور ومتمرات وغير ذلك.