الخروج في ذلك اليوم إلى الأسواق، وتعلق في ذلك اليوم أسواق القاهرة ودكاكينها، وكل من ظفروا به في الطرقات بهدلوه - ولو أنه أمير أو من أعيان الناس - فيرشونه بالماء المتنجس، ويرجمونه بالبيض التي في وجهه، ويصفعونه بالأخفاف، فتتعطل الناس في ذلك اليوم عن البيع والشراء.
وكان الناس في ذلك اليوم يتجاهرون بشرب الخمر وكثرة الفسق في أماكن المتفرجات حتى يخرجوا في ذلك عن الحدود بما كان يقتل منهم جماعة يعربدون على بعضهم، وكان هذا الأمر مستمرا في كل سنة على القاعدة القديمة من الدول الماضية ولا ينكر ذلك بين الناس.
وكان يوم النوروز من أجل المواسم بالديار المصرية، وكان يحمل في ذلك اليوم لأكابر مصر من القبط والمباشرين من أصناف الفواكه الرمان وعراجين الموز ومشنات السفرجل والتفاح الشامي وقفف البسر وأقفاص العنب والتمر القوصي والبطيخ الصيفي والرطب والخوخ المثغر وقدور الهريسة المعمولة من لحوم الدجاج ومعها بطط الجلاب وصحون الحلاوى القاهرية وغير ذلك من الأنواع اللطيفة.
فلما تسلطن الملك الظاهر برقوق وتم أمره في السلطنة، أمر بإبطال ما كان يعمل في يوم النوروز، وأرسل الحجاب مع جماعة من المماليك السلطانية ووالي الشرطة فطافوا في أماكن المتفرجات وفي الطرقات، فمن وجدوه يفعل ذلك يضربونه بالمقارع، وصاروا يقطعون أيدي جماعة ممن كان يفعل ذلك. وقاموا في ذلك قياما عظيما حتى بطل ذلك من القاهرة، وأشهروا النداء بتهديد من يفعل ذلك بالشنق، فانكف الناس من يومئذ عن ذلك وصاروا يفعلون بعض شيء في أماكن المتفرجات من الخلجان والبرك ونحو ذلك
وهذه الواقعة ذكرها المقريزي في حوادث سنة سبع وثمانين وسبعمائة.
[سنة ثمان وثمانين وسبعمائة (١٣٨٦ م)]
فيها تزوج السلطان الملك الظاهر برقوق ببنت الأمير منكلى بغا الشمسي، وهي بنت أخت الملك الأشرف شعبان، فكان له مهم عظيم بالقلعة، وحمل بين يديه خمسمائة شمعة.
وفيها حضر إلى الأبواب الشريفة قاصد صاحب ماردين، وأخبر بأن خارجيا من التتار الجفطاوية يقال له تمرلنك قد استولى على البلاد، وقد وصل جاليش عسكره إلى مدينة تبريز وأخربها وقتل من أهلها خلائق كثيرة، وان القان أحمد بن أويس انتقل إلى بغداد وحصنها وأخذ حذره من تمرلنك.
وفيها رسم السلطان بنقل الأمير يلبغا الناصري من ثغر الاسكندرية إلى ثغر دمياط، فنقله إلى ثغر دمياط وكسر قيده.