وألفان من المماليك السلطانية، ولما وصلوا إلى سيس حاصروها أشد المحاصرة حتى هرب من كان بها من الأرمن، وقتلوا من أهلها ما لا يحصى عدده، وفتحوها بالسيف، وأخربوا سورها وتركوها خاوية على عروشها، وزال عنها زخرفها ونقوشها، وجعلوا بها نائبا قد رماه الدهر في النوائب، وعن لسان نائب سيس يقول بعض الشعراء:
قالوا اجعلوا فيها لنا نائبا … جيوش سيس … قلت رأى تعيس
لو أن ذا الحاكم في سلطنة … ما تركونني أبقى بسيس
ثم رجع العسكر المصري إلى القاهرة وتركوا نائب سيس تحت مكتوبه.
وفي هذه السنة رسم السلطان الملك الناصر بعمارة ميدان المهارة الذي عند قناطر السباع، وأنزل أمير أخور كبير لعمارته، فعمره بالطوب اللبن وانتجز العمل منه في أسرع مدة.
[سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة (١٣٢٢ م)]
فيها تغير خاطر السلطان على القاضي كريم الدين ابن السديد - ناظر الخواص الشريفة - فقبض عليه وعلى ولده، وقد كان نال من العز ما لم ينله جعفر البرمكي في أيام هارون الرشيد، وكان الملك الناصر قد صير له التصرف في الخزائن والأموال من غير حرج، فكانت الأمراء والأعيان يركبون في خدمته، وينزلون معه إلى بيته، ولما تغير خاطر السلطان عليه احتاط على موجوده، واستصفى أمواله وذخائره ولم يترك له لا قليلا ولا كثيرا، وصادر نساءه وغلمانه وحاشيته، ثم بعد ذلك نفاء إلى نحو الشوبك هو وولده.
ثم أن السلطان خلع على القاضي تاج الدين ابن عبد الوهاب واستقر به ناظر الخواص الشريفة عوضا عن كريم الدين. ثم أن السلطان نقل القاضي كريم الدين من الشوبك إلى أسوان من أعمال بلاد الصعيد، فتوجه من هناك وهو مقيد بالحديد وسجن هناك في أسوان، فأقام في السجن مدة يسيرة ومات … قيل أنه عمد إلى خشبة وعمل فيها حبلا وخنق به نفسه، فمات وهو في السجن بأسوان. فلما مات أحضر السلطان ولده وعاقبه وقرره على الأموال والذخائر فأظهر مخبأة في دهليز بيته فوجد فيها من الذهب العين مائتي ألف دينار، ومن الفصوص والتحف ما لا يحصى … هذا بعد ما أخذه السلطان منه في المصادرة أولا وثانيا، فكان كما قيل في المعنى: