فلما خلعه برسباي من السلطنة عطف عليه ولم يسجنه بثغر الاسكندرية كعادة أولاد الملوك، بل أدخله دور الحرم وأسكنه في قاعدة البربرية هو وأمه خوند بنت الأمير سودون الفقيه، ثم أن الأشرف برسباي زوج الملك الصالح ببنت الأتابكي يشبك الأعرج.
واستمر الملك الصالح ساكنا في القلعة بدور الحرم، ورسم له الملك الأشرف برسباي بأن ينزل ويركب في كل جمعة ويزور قبر والده ططر فكان يركب صحبة المقر الناصري محمد الملك الأشرف برسباي ويسيرون نحو المطرية.
وسيدي محمد هذا كان ابن الأشرف برسباي، وكان أكبر من ولده سيدي يوسف ولكن توفى في حياة والده عقيب الفصل الذي جاء في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وكان الملك الصالح محمد بن ططر هذا يبهلل كثير الخباط. فكان يسمى الفرس البوز (الفرس الأبيض)، فقال بعض الخدام لا تقل الفرس الأبيض وقل الفرس البوز، فحفظ منه ذلك الاسم، فطلب يوما سلطانية صيني أبيض فقال:"هاتوا السلطانية البوز". .. فنهره بعض الخدام ونهاه عن ذلك، فقال له:"لالاتي علمني هذا". .. وكان له من أنواع الخياطة أشياء كثيرة ليس هذا محلها، فكان كما قيل في الأمثال:
في الناس من تسعده الأقدار … وفعله جميعه أدبار
واستمر الملك الصالح على ذلك حتى توفى في ليلة الخميس ثاني عشرى جمادي الآخر سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، ومات بالطاعون الذي وقع في تلك السنة، ودفن على والده ططر بجوار قبر الإمام الليث. ومات وله من العمر اثنتان وعشرون سنة.
ولما مات الملك الصالح محمد رسم الملك الأشرف برسباي لأولاد الأسياد الذين كانوا في دور الحرم من داخل بأن ينزلوا يسكنون المدينة. وأنعم على كل واحد منهم بفرس ومائة دينار، فنزلوا من يومئذ وسكنوا بالمدينة، وبطل أمرهم.
- الملك الأشرف برسباي
هو الملك الأشرف أبو النصر برسباي الدقماقي الظاهري، وهو الثاني والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، وهو الثامن من ملوك الجراكسة وأولادهم. بويع بالسلطنة بعد خلع الملك الصالح محمد بن الظاهر ططر في يوم الأربعاء ثامن ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة (١٤٢١ م)، فلبس خلعة السلطنة من باب السلسلة وركب من المقعد، وحملت على رأسه القبة والطير حتى طلع من باب سر القصر الكبير وجلس على سرير الملك، وباس له الأمراء الأرض من الأكابر والأصاغر، وتلقب بالملك