ولما مات صلاح الدين يوسف خلف من الأولاد سبعة عشر ولدا ذكرا من صلبه، ولم يخلف في خزائنه لا ذهبا ولا فضة، ولم يخلف قرية ولا بستانا ولا ملكا ولا ضيعة، وأنقذ جميع ما في الخزائن على التجاريد، والغزوات حتى فتح البلاد التي كانت بيد الفرنج.
ولما مات تولى من بعده ابنه العزيز عثمان.
- الملك العزيز بالله
هو الملك العزيز بالله، عماد الدين أبو الفتح، عثمان بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وهو الثاني من ملوك بني أيوب بمصر. بويع له بالسلطنة بعد موت أبيه الملك الناصر صلاح الدين يوسف بعهد من أبيه له. وكان أصغر أخوته، وكان أخوه الأفضل أكبر منه. فلما توفي الملك الناصر صلاح الدين بدمشق ولي أبنه الأفضل على دمشق، وولي ابنه المظفر غازي على حلب، وولي ابنه العزيز عثمان على مصر.
وكان مولد العزيز بمصر في جمادي الأولى سنة سبع وستين وخمسمائة، وولي ملك مصر وله من العمر نحو سبع وعشرين سنة، فلما مات أبوهم صلاح الدين وقع الخلف بين الأخوة، ووثبوا على بعضهم، ولم يقنع أحد منهم بما هو فيه فحصل بينهم من الفتن والحروب ما يطول شرحه عن هذا المختصر.
فلما تولى الملك العزيز على مصر وأتى من دمشق وجلس على سرير الملك لم يمش على طريقة والده الملك الناصر صلاح الدين، وسار مع الناس في مصر أقبح سيرة، وقد أخطأت فيه فراسة أبيه الناصر بما كان يرجوه فيه فكان كما قيل في المعنى:
أملتهم ثم تأملتهم … فلاح لي أن ليس فهم فلاح
طال وقوفي بفنا ربعهم … بغير نفع فالرواح الرواح
فأعاد المكوس التي كان أبطلها أبوه صلاح الدين، وزاد في شناعتها، وتجاهر بالمعاصي والمنكرات حتى غلا سعر العنب في أيامه لكثرة من يعصره، وحملت أواني الخمر جهارا من غير انكار وحميت بيوت المزارة وأماكن الحشيش، وأباح ذلك أرباب الأمر والنهي، وأقيمت عليها الضرائب الثقيلة حتى صار يأخذ من أرباب هذه الجهات في كل يوم ستة عشر دينارا حماية للسلطان، فلم يقدر أحد أن يعارض أماكن الفسوق في