للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قف وقفة وانتظر عند الإمام ترى … جيوش أجفانه بالسود قد كسرت

ومن توقد نيران الحشيش غدت … عيناه ترمي جمارا كلما نفرت

وفي هذه السنة انقطع البلسان من مصر وهو البلسم، وكان من آثار عيسى ابن مريم ، وكانت الفرنج يجيئونه من أقصى البلاد حتى يشتروا من دهن هذا البلسم ويتغالوا في ثمنه. وقد أحضر حب البلسان البري من الحجاز وزرعوه بأرض المطرية، وعالجوه فلم ينبت، وانقطع من مصر بالكلية، كأنه لم يكن قط بعين شمس، وهو أجل نبات بها وهذا لم يتفق قط، وكان قبل ظهور الإسلام بمدة طويلة، وكان زكي الرائحة أشبه بورق الملوخية، وكان دهنه ينفع للأمراض الباردة، كوجع الظهر والركب وغير ذلك من الأمراض البلغمية. وكان يستخرج دهن هذا البلسم في رابع عشرى بشنس القبطي، وكان في الزمن القديم يحضر يوم استخراج دهنه بعض الأمراء، وقيل الخازندار الكبير. وأجود ما طبخ دهنه في برمهات، وكان يزرع حبه في بؤونة إلى هاتور، وكان معدودا من جملة محاسن مصر، وكان انقطاعه من مصر في رأس القرن العاشر.

ومن حوادث هذا القرن أيضا الحب الفرنجي، أعاذنا الله منه، فشا في الناس جدا، وقد أعيا الأطباء أمره، واستمر يعرض للناس إلى الآن.

[سنة ست وتسعمائة (١٥٠٠ - ١٥٠١)]

فيها كان خليفة الوقت المستمسك بالله أبا الصبر يعقوب الهاشمي الأبوين، والسلطان الملك الأشرف أبا النصر جان بلاط بن يشبك الأشرفي. والقضاة الأربعة على حكم ما تقدم، وكانت الأتابكية شاغرة، وقد تعينت لقصروه نائب الشام.

وفي يوم الثلاثاء، مستهل المحرم، كان صعود خوند أصلباي، زوجة الأشرف جان بلاط، وهي أم الناصر وسرية الأشرف قايتباي، وأخت الظاهر قانصوه، فكان يوم صعودها إلى القلعة يوما مشهودا. فشقت من الصليبة، وهي في محفة زركش، وحولها الخدام من أعيان الطواشية، وقدامها أعيان المباشرين، وجماعة من الخاصكية نحو من خمسين إنسانا، وهم بالشاش والقماش، وجماعة من المماليك نحو من مائة إنسان، وبأيديهم العصى يفسحون الناس، فاستمرت في هذا الموكب الحافل حتى صعدت إلى القلعة، ومعها نحو من مائتي امرأة على مكارية.

<<  <  ج: ص:  >  >>