هو أمير المؤمنين المستمسك بالله أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز بن يعقوب بن محمد المتوكل على الله، وهو الرابع والخمسون من خلفاء بني العباس في العدد، وهو الخامس عشر من خلفاء بني العباس بمصر. وهو من خلاصة بني العباس لكونه هاشمي الأبوين … ولم يل الخلافة من هو هاشمي الأبوين غير أربعة من بني هاشم، وهم: الإمام علي كرم الله وجهه وكانت أمه هاشمية وهي فاطمة بنت أسد بن هاشم، ثم ابنه الحسن ﵁ ورحمه، وأمه فاطمة بنت رسول الله ﷺ. ثم محمد الأمين ابن زبيدة، وكانت أمه هاشمية. ثم يعقوب بن عبد العزيز، وأمه هاشمية تسمى آمنة بنت أمير المؤمنين المستكفي بالله، أبي الربيع سليمان … فهؤلاء الأربعة هاشميو الأبوين، وغير هم من الخلفاء كانوا من سراري مولدات وحبش وغير ذلك.
*****
وكانت صفة ولاية الشرفي يعقوب: أنه لما كان يوم السبت ثالث صفر بعث الملك الناصر خلف الشرفي يعقوب، فحضر وحضر ابن عمه خليل، فعرض العهد المقدم ذكره على السلطان، فشرع خليل يتكلم في حق الشرفي يعقوب بكلمات فاحشة، منها أنه قال:
"إنه قليل النظر ولا تصح ولايته"، فلم يلتفت السلطان إلى كلام خليل. وقال:"أهذا أبوه كان خليفة؟ "، فقيل له:"لا"، فقال:"ما يلي الخلافة إلا من كان أبوه خليفة". وشرع كرتباي الأحمر، وأزبك اليوسفي مشير المملكة، وتغري بردي الأستادار - يساعدون الشرفي يعقوب، فترشح أمره لأن يلي الخلافة … وفي الحقيقة لم يكن يومئذ من بني العباس من يصلح للخلافة غير الشرفي يعقوب، في الدين والخير والصلاح، فاتفق رأي الأمراء على ولايته، ونزل خليل من القلعة بخفي حنين.
فلما حضر القضاة وتكامل المجلس، لم يحتج إلى مبايعة ثانية، لأنه استقر في الخلافة بعهد من أبيه له عند موته، فاستكفى القاضي الشافعي بذلك. ثم أحضر إليه شعار الخلافة، فأفيض عليه، وتلقب:"بالمستمسك بالله أبي الصبر" وعد لقبه هذا من النوادر. وقيل: إن الشيخ جلال الدين الأسيوطي هو الذي كناه ولقبه بهذا اللقب. ومن الغرائب أنه لم يل الخلافة من بني العباس، ولا من بني أمية، من اسمه يعقوب سواه. فلما تمت بيعته أحضر إليه التشريف، وأفيض عليه، فصار في غاية الأبهة والوقار. وفي الحقيقة أنه من عباد الله الصالحين، لم يعهد له صبوة منذ نشأ إلى الآن ﵁. وفيه أقول مضمنا:
يا أمير المؤمنين اقبل ولا … ترتجي غير الذي قد شرفك