فهذا أول ملك من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاون، وكان ذلك من أكبر ذنوب الأتابكي قوصون، وبه زال أمره.
- الملك الأشرف
هو الملك الأشرف علاء الدين كجك، ابن الملك الناصر محمد بن قلاون، وهو الرابع عشر من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، وهو الثاني من أولاد محمد بن قلاون، ولي السلطنة بعد قتل المنصور أبي بكر.
تولى الملك وجلس على سريره في يوم الاثنين حادي عشرى صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، فتولى الملك وله من العمر سبع سنين أو أقل، فتصرف في الأحكام صغيرا، وأوتى - على صغر سنه - ملكا كبيرا، فكان سابوري الولاية، صغير السن إلى الغاية، وأما تسميته بكجك فهو لفظ أعجمي معناه بالعربي صغير، فإن والده لحظ فيه حال التسمية أنه سيلي بعده الملك وهو صغير، والملوك لهم فراسة في الأمور قبل وقوعها.
ثم أن الأتابكي قوصون عمل بالموكب، وأجلس السلطان على تخت المملكة … وأحضر خلعة ولبسها، واستقر نائب السلطنة وأتابك العساكر، ثم تحول وسكن في دار النيابة بالقلعة، وتصرف في أمور المملكة بحسب ما يختاره، فنفى الأمير طقزدمر نائب السلطنة إلى دمياط، وقبض على جماعة من الأمراء، وعزل من عزل، وولى من ولى، وظن أن الوقت قد صفا له … فكان إذا حضرت العلامة أخذ قوصون بيد السلطان كجك والقلم في يده، ويريه كيف يكتب على المراسيم والمناشير.
وكان الأمر كله بيد قوصون، والسلطان معه مثل العصفور بيد النسور … فاضطربت أحوال الديار المصرية، وتعطلت البلاد الشامية، وعصت النواب، ووقع الخلف بين الأمراء بمصر، ووقفت أحوال الرعية، وحصل للناس غاية الأذية، وقد قال القائل بالمعنى:
سلطاننا اليوم طفل، والأكابر في … خلف، وبينهم الشيطان قد نزغا
فكيف يطمع من مسته مظلمة … أن يبلغ السؤل، والسلطان ما بلغا؟
ثم أن الأتابكي قوصون صار يمسك في كل يوم جماعة من المماليك السلطانية، وأرسل إلى الطنبغا نائب الشام بالقبض على طشتمر حمص أخضر نائب حلب. فلما بلغ طشتمر ذلك توجه إلى الكرك، وأخذ الأمير أحمد بن الملك الناصر محمد بن قلاون لأنه