للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البحر وصار يسبح فيه والنشاب يأخذه من كل ناحية وهو يقول: "خذوا ملككم ودعوني أرجع إلى حصن كيفا". .. فلم يغثه أحد وبقي على ذلك حتى قتل في ذلك اليوم المقدم ذكره، فمات حريقا قتيلا غريقا، فطلعوا به من البحر فبقي مرميا على شاطئ البحر ثلاثة أيام لم يدفن، ثم دفن في بعض جروف البحر ولم يعلم له قبر.

ثم إن المماليك نهبوا جميع ما كان في الوطاق من قماش وسلاح وخيول وغير ذلك، واستمر السماط في ذلك اليوم ممدودا حتى تخطفته الكلاب ولم يع أحد له، فكانت مدة سلطنة الملك المعظم توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب نحو أربعين يوما، ولم يدخل إلى مصر ولا جلس على سرير الملك بقلعة الجبل، ولا حكم بالقاهرة، فكانت قتلته في يوم الاثنين كما تقدم.

وهو آخر من تولى السلطنة بمصر من بني أيوب، وبه انقرضت دولة بني أيوب، وكانت مدة دولتهم - من حين تولى الملك الناصر صلاح الدين يوسف إلى أن قتل الملك المعظم توران شاه - نحو ست وثمانين سنة إلا أشهرا، وزالت دولتهم كأنها لم تكن بمصر.

قيل لما قتل توران شاه رجعت الأمراء والعسكر إلى القاهرة، وطلعوا إلى قلعة الجبل، فوقع الاتفاق من الأمراء على سلطنة شجرة الدر عوضا عن توران شاه، وأن يكون الأمير عز الدين أيبك التركماني مدبر المملكة معها … فسلطنوها وتحالفوا على ذلك، وهذا لم يقع قط بالديار المصرية، ولا سمع بأن امرأة قد تسلطنت بها.

- شجرة الدرّ

هي شجرة الدر، زوج الملك الصالح نجم الدين أيوب. وهي أم ولده خليل، فكانت تاسع من تولى السلطنة بمصر من جماعة بني أيوب، وقع الاتفاق على سلطنتها، فتسلطنت في ثاني شهر صفر سنة ثمان واربعين وستمائة، وقبل لها الأمراء الأرض من وراء حجاب.

فلما تم أمرها في السلطنة فرقت الوظائف السنية على الأمراء، وفرقت الاقطاعات الثقال على المماليك البحرية، وأغدقت عليهم بالأموال والخيول، وأرضتهم بكل ما يمكن، وساست الرعية في أيامها أحسن سياسة، وكانت الناس عنها راضية، وكان الأمير عز الدين أيبك التركماني مدبر المملكة، وكان لا يتصرف في الأمور إلا بعد مشورتها فيما تريد، وكانت تكتب على المراسيم في العلامة بخطها "والدة خليل".

فلما كان يوم الجمعة خطب باسم شجرة الدر على منابر مصر، فكانت الخطباء تقول بعد الدعاء للخليفة: "واحفظ اللهم الجبهة الصالحية، ملكة المسلمين، عصمة الدنيا والدين،

<<  <  ج: ص:  >  >>