وفيها جاءت الأخبار بأن دمرداش نائب حلب قد أطلق الأمير جكم العوضي من السجن ومعه جماعة من الامراء وتوجه بهم إلى حلب، فاضطربت أحوال الملك الناصر بسبب ذلك، وضاقت عليه الأمور، وصار في غاية الضنك مع الأمراء بخلقهم، وتعصب عليه الأتابكي بيبرس وجماعة من الأمراء، وصاروا يعاكسونه في الأمور.
فلما كان يوم الأحد خامس عشرى ربيع الأول من السنة المذكورة نزل الملك الناصر من القلعة بعد العصر وهو ماش متنكر، فاختفى في مكان لا يعلم. فلما نزل من القلعة وبلغ ذلك الأمراء ركبوا وطلعوا إلى باب السلسلة، فلما اجتمعوا ضربوا مشورة فيمن يسلطنونه، فوقع الاتفاقعلى سلطنة أخيه المقر العزي عبد العزيز، فطلبوه من دور الحرم وسلطنوه في ذلك اليوم، ولقبوه بالملك المنصور، وخلع الملك الناصر فرج من السلطنة، فكانت مدة سلطنته في هذه المدة ست سنين وخمسة أشهر وعشرة أيام … ثم يعود إلى السلطنة من بعد ذلك مرة ثانية - كما سيأتي ذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى - والله ﷾ أعلم.
- الملك المنصور عز الدين
هو الملك المنصور عز الدين أبو العز ابن الملك الظاهر برقوق بن أنص العثماني الجركسي، وهو السابع والعشرون من ملوك الترك وأولادهم بمصر، وهو الثالث من ملوك الجراكسة وأولادهم بالديار المصرية، بويع بالسلطنة بعد العشاء، وتلقب بالملك المنصور، وجلس على سرير الملك ليلة الاثنين سادس عشرى ربيع الأول من سنة ثمان وثمانمائة بعهد من أبيه الملك الظاهر برقوق كما تقدم، فباسوا له الأرض، ونودى باسمه في القاهرة، وضج الناس له بالدعاء، ولم تدق له الكؤسات. فلبس خلعة السلطنة من القصر الكبير، وحملت القبة والطير على رأسه، وجلس على سرير الملك.
قال المقريزي:"تسلطن الملك المنصور عبد العزيز وله من العمر عشر سنين، وكانت أمه أم ولد رومية الجنس تسمى تنق باي".
فلما تسلطن لم يتم أمره في السلطنة، ولا ساعدته الأقدار، ولم يبلغ المراد كما قيل في المعنى:
ما كل من نال المعالي ناهضا … فيها، ولا كل الرجال فحول
فلم تسلطن المنصور صار الأتابكي بيبرس صاحب الحل والعقد بالديار المصرية، وصار يتصرف في أمر المملكة بحسب ما يختار من ذلك، فانخفضت كلمة المقر السيفي