للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الذي أعطوه لي جملة … قد استردوه قليلا قليل

فليت لم يعطوا ولم يأخذوا … وحسبنا الله ونعم الوكيل

فلما بلغ الملك المظفر ذلك أمر بحبسه، فحبس، فبلغه عنه أنه قال وهو في السجن هذا البيت من قصيدة:

أعطيتني الألف تعظيما ومكرمة … يا ليت شعري! أم أعطيتني ديتي؟

فلما بلغ الملك المظفر ذلك أمر بخنقه، فخنق وهو في السجن، ودفن تحت الليل.

[سنة ثمان عشرة وستمائة (١٢٢١ م)]

فيها جاءت الأخبار بأن الفرنج جاءوا إلى ثغر دمياط في مائتي مركب، واستولوا على مدينة دمياط وملكوها. فعند ذلك اضطربت أحوال الديار المصرية، ونادى الملك الكامل في القاهرة بأن النفير عام … فاجتمع من العساكر نحو عشرين ألف مقاتل، فعند ذلك خرج الملك الكامل من القاهرة ومعه تلك العساكر فتوجه إلى دمياط، ونزل قبالة طلخا على رأس بحر أشموم، واجتمع هناك السواد الأعظم من الخلائق، وصار الملك يحاصر الفرنج في دمياط، وقد حصن الفرنج سور دمياط، وجعلوا الجامع الكبير كنيسة. فلما دام الحصار بينهم وقع الغلاء بين عسكر السلطان الكامل حتى عدمت الأقوات وبلغ الرغيف الخبز ثقله فضة، وبيعت بيضة الدجاجة بدينار، وصار السكر في مقام الياقوت الأحمر … فكانت الخيول والبهائم تأكل من أوراق الشجر في مدة هذه المحاصرة. وكانت المحاصرة في ثغر دمياط ستة عشر شهرا واثنين وعشرين يوما. وقد أسرف الافرنج في القتل والنهب والأسر.

وسير الملك الكامل السعاة إلى سائر البلاد يستحث الناس إلى الحضور لأجل دفع الفرنج عن الديار المصرية. قيل كان في مدة هذه المحاصرة يمشي في ركاب الملك الكامل شخص يسمى شمايل - وكان من جملة الجندارية - فكان يسبح في البحر تحت الليل، ويأتي الملك الكامل بأخبار الفرنج، فحظي بذلك عند الملك الكامل. فلما انتصر على الافرنج ولى شمايل المذكور القاهرة، وصار مقربا عنده، وإليه تنسب خزانة شمايل، وهي عبارة عن سجن يحبس فيه أصحاب الجرائم.

ولما طال حصار الملك الكامل على دمياط أنشأ هناك قرية وسماها "المنصورة"، وبنى بها الأسواق والفنادق والحمامات، ولا زالت تتزايد في العمارة إلى الآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>