للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذه السنة - وهي سنة ثمان وأربعين وسبعمائة (١٣٤٧ م) - احترف بحر النيل احترافا زائدا مما يلي بر مصر، فاتفق رأى الأمراء بأن يسدوا البحر مما يلي بر الجيزة، فرسموا للأمير منجك اليوسفي وزير الديار المصرية بأن يتولى أمر ذلك، ففرض منجك على كل دكان بمصر والقاهرة درهمي فضة، وأخرجوا مراسيم شريفة إلى كاشف الشرقية بأن يفرض على كل نخلة في البلاد درهمين من الفضة، فاجتمع من ذلك مال جزيل، فأخذ منجك ذلك المال واشترى به مراكب ووسقها حجارة كبارا وغرقها في البحر مما يلي بر الجيزة، فلم يفد من ذلك شيئا، وطغى عليهم الماء، فقبضوا على منجك ورسموا عليه بسبب ما أخذه من البلاد من المال فصادروه، وأخذوا أمواله وعزلوه من الوزارة.

[سنة تسع وأربعين وسبعمائة (١٣٤٨ م)]

فيها خلع السلطان على الأمير جبغا واستقر به نائب طرابلس، وخلع على الأمير أحمد شاد الشرنجاناه واستقر به نائب صفد.

ومن الحوادث في هذه السنة أن الفناء وقع بالديار المصرية وعم سائر البلاد (١)، فكان يخرج من القاهرة في كل يوم ما ينوف عن عشرين ألف جنازة. وقد ضبط في شهر شعبان ورمضان فبلغ عدة من مات فيهما من الناس، فكان نحو تسعمائة ألف إنسان … ولم يسمع بمثل هذا الطاعون فيما تقدم من الطواعين المشهورة في صدر الإسلام.

قال الشيخ شمس الدين محمد الذهبي:

"إن الطواعين المشهورة في مبتدأ الإسلام خمسة، وهي:

"طاعون شيرويه".

"وطاعون عمواس - كان في زمن عمر بن الخطاب ، وقع بالشام وأعمالها في سنة ثمان عشرة من الهجرة - وعمواس بفتح العين اسم قرية بالشام".

"وطاعون الجارف، وقع في زمن عبد الله بن الزبير في سنة سبع وستين من الهجرة.

قيل مات فيه في ثلاثة أيام في كل يوم سبعون ألفا، ومات فيه لأنس بن مالك في ثلاثة أيام ثلاثة وثمانون ولدا. وكان في شهر رمضان قوة عمله.

"وطاعون الفتيات كان بالبصرة وواسط. قيل أنه ابتدأ بالعذارى الصغار فسمى طاعون الفتيات".


(١) - هو وباء "الموت الأسود" الذي اجتاح المعمورة في منتصف القرن الرابع عشر للميلاد. وقد بدأ في أواسط آسيا، ثم انتقل إلى شبه جزيرة القرم، ومنها نقلته إحدى السفن إلى جنوا وسائر أنحاء أوربا، وانتقل من أرمينيا إلى انجلترا عام ١٣٤٨، فقضى على نصف سكانها. وقضى في الصين على ثلاثة عشر مليونا.

<<  <  ج: ص:  >  >>