هو أبو الفضل العباس، ابن الإمام محمد المتوكل على الله، ابن المعتضد بالله، ابن المستكفي بالله ابن الامام أحمد الحاكم بأمر الله. تسلطن بدمشق بعد خلع الملك الناصر فرج بن برقوق في يوم الاثنين سابع عشرى المحرم من سنة خمس عشرة وثمانمائة. فمن المؤرخين من عده من جملة السلاطين بالديار المصرية، ومنهم من عده من جملة خلفاء بني العباس. وهذه القواعد لم تنفق لخليفة قبله من بني العباس أنه تسلطن بمصر وحكم بها على هذا الوجه. وفيه يقول بعض الشعراء:
سلطاننا حاز الفخار بأسره … وبأسره مجموع كل الناس
ولقد روى الضحاك عن ثغر له … والجفن في الاغضا عن العباس
وكان سبب سلطنة الخليفة العباس أنه لما عصى نوروز الحافظي وشيخ المحمودي جرد إليهم الملك الناصر. فلما انكسر الملك الناصر خلعوه من السلطنة، واتفق رأى نوروز وشيخ على سلطنة الخليفة العباس كما تقدم ذكر ذلك، فأحضروا له خلعة السلطنة، وألبسوها له وباسوا له الأرض.
وكان القائم في سلطنة الخليفة الأمير نوروز الحافظي. قيل لما أرادوا أن يولوا الخليفة السلطنة امتنع من ذلك غاية الامتناع، فقال له الأمير نوروز:"لا تخف، أنا ظهرك، لا يصيبك إلا ما يصيب رقبتي". فشرط عليه الخليفة العباس قبل أن يلي السلطنة شروطا كثيرة، منها أنه إذا خلع من السلطنة يستمر في الخلافة على حاله الأول، فأجابوه إلى ذلك.
فلما ولوه السلطنة خلع على المقر السيفي نوروز الحافظي واستقر به نائب الشام، وأضاف إليه جميع خراج البلاد الشامية، وسلم إليه قلعة دمشق، ثم خلع على المقر السيفي شيخ المحمودي واستقر به أتابكي العساكر بمصر ومدبر المملكة ونظام الملك، وصار نوروز يحكم من غزة إلى الفرات، والخليفة والأتابكي شيخ يحكمان من قطيا إلى أقصى بلاد الصعيد وأعمال الديار المصرية قاطبة.
فلما وقع الاتفاق على ذلك خرج الخليفة من دمشق وصحبته الأتابكي شيخ وبقية الأمراء والعساكر، فلما توجهوا قاصدين مصر كان الخليفة العباس في مدة السفر في غاية العز والعظمة، نافذ الكلمة، وأطاعه سائر العساكر.