هو الملك المنصور محمد، بن الملك العزيز عثمان، بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وهو الثالث من ملوك بني أيوب، بويع بالسلطنة بعد موت أبيه العزيز في العشرين من المحرم سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وكان له من العمر لما تولى السلطنة نحو عشرين سنة، وكان القائم بأمور دولته الأمير بهاء الدين قراقوش - وهو صاحب الحارة المنسوبة إليه - فساس الرعية في أيامه أحسن سياسة وأحبته الرعية، ودعوا له بطول البقاء.
وفي أيامه توفي القاضي عبد الرحيم الفاضل صاحب ديوان الإنشاء، وهو أول من أظهر التورية في الشعر. قال الأسعد بن مماتي:" كان القاضي الفاضل دميم الخلقة، وكان له حدبة ظاهرة خلف ظهره، وكان يسترها بالطيلسان حتى لا تظهر للناس ". وقد هجاه ابن عنين الشاعر بسبب حدبته بهذه الأبيات:
ومن النكت اللطيفة قول الأسعد بن مماتي: دخلت يوما على القاضي الفاضل، فرأيت إلى جانبه أترجة بديعة الخلقة، فجعلت أنظر إلى تلك الأترجة فقال لي الفاضل: أراك تطيل النظر إلى هذه الأترجة. فقلت: أتعجب من شكلها وبديع خلقتها. فقال لي الفاضل:
ولها نسبة أيضا فيما بها من الاحتداب. فقلت الله الله يا مولانا.
ثم إني ارتجلت بيتين من الشعر وهما هذان:
للحسن، بل لله، أترجة … قد أذكرتنا بجنان النعيم
كأنها قد جمعت نفسها … من هيبة الفاضل عبد الرحيم
فلما سمع ذلك أعجبه وزال ما عنده مما كان قد توهمه مني.