بنى الجامع المنسوب إليه المشهور بجامع الصالح الذي هو خارج باب زويلة، وكانت الوزراء تتلقب يومئذ كألقاب الخلفاء.
ثم أن الصالح هذا أرسل إلى طائفة الفرنج الذي أسروا الوزير عباسا يطلبه منهم، وأرسل إليهم هدية ومالا نحو عشرة آلاف دينار، فلما وصل ذلك إلى الفرنج أرسلوا الوزير عباسا وولده نصرا إلى الصالح وهما في الحديد، فلما دخلا القاهرة كان يومهما يوما مشهودا لم يسمع بمثله، فأمر الفائز بأن يصلب الوزير عباس وولده نصر على باب القصر، فصلبا وأخذ الفائز بثأر أبيه الظافر قبل العصر، فكان كما قيل في الأمثال:
"الموت في طلب الثأر، خير من الحياة في العار".
وفي أيام الفائز هذا نقلت رأس الحسين ﵁ من عسقلان إلى القاهرة، وذلك في سنة تسع واربعين وخمسمائة، وسبب ذلك أن رأس الحسين كانت بعسقلان، فلما تولى الفرنج على عسقلان خاف المسلمون على رأس الحسين فأحضروها إلى القاهرة في علبة، وبنى لها الفائز هذا المشهد ودفنها به. قيل إن رأس الحسين نقلت إلى ثلاثة أماكن قبل أن تحضر إلى القاهرة بمدة.
وفي أيام الفائز استعرضت عساكر القاهرة، فكانت نحو خمسين ألف مقاتل على أجناس مختلفة، وكان بمراكبه عشر مراكب مشحونة بالرجال والسلاح بسبب الجهاد، وهذا مع وجود تلاشي أمر الخلفاء الفاطمية وضعف شوكتهم.
واستمر الفائز في الخلافة بمصر حتى مرض ومات، وكانت وفاته في يوم الجمعة سابع رجب سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وتوفي وله من العمر إحدى عشرة سنة وأشهر، ومات بالطعن، وكانت مدة خلافته بمصر خمس سنين وأشهرا، ولما مات تولى من بعده ابن عمه عبد الله العاضد بالله.
- العاضد بالله
هو العاضد بالله، أبو محمد عبد الله، ابن الحافظ، بن المستنصر، وهو الحادي عشر من خلفاء بني عبيد الله الفاطمي، بويع بالخلافة بعد موت ابن عمه الفائز في رجب سنة خمس وخمسين وخمسمائة، قيل إن الخليفة المعز لما قدم إلى الديار المصرية قال لبعض علماء مصر:"أكتب لنا ألقابا تصلح للخلافة، حتى إذا تولى منا أحد تلقب بها". فكتب له ألقابا كثيرة آخرها العاضد بالله، فاتفق أن آخر من تولى منهم تلقب بالعاضد بالله، وبه انقرضت دولتهم. ولم يكن لهم من المساوئ سوى أنهم كانوا رافضة يسبون الصحابة في كل جمعة على المنابر.