للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معاودة. فلما مر بهم ووصل إلى باب قاعة الأعمدة وثب عليه المماليك المعزية، فأذاقوه كأس المنية.

فلما قتل الأمير فارس الدين أمر الملك المعز أيبك بغلق باب القلعة. فلما شاع بين الناس قتل الأمير فارس - وكان ذلك في يوم الاثنين حادي عشرى شعبان سنة اثنتين وخمسين وستمائة - ركب سائر خشداشينه - وكانوا نحو سبعمائة انسان - فلما أن طلعوا إلى الرميلة وأحاطوا بالقلعة، رمى اليهم الملك المعز برأس الأمير فارس الدين اقطاى من فوق سور القلعة، فلما تحقق خشداشينه قتله انفضوا خائبين، وخرجوا على حمية، نحو البلاد الشامية، وهم الأمير بيبرس ركن الدين البندقداري والأمير قلاوون الألفي، والأمير سنقر الأشقر، والأمير بيسري، والأمير سكن، والأمير برمق.

فلما قصدوا أن يخرجوا إلى البلاد الشامية، وجدوا أبواب القاهرة مغلقة، فتوجهوا إلى باب القراطين، فأحرقوه بالنار وخرجوا منه هاربين، فسمي من ذلك اليوم باب القراطين.

فلما بلغ المعز هروبهم أمر بالحوط على موجودهم. فلما خمدت تلك الفتنة، وتشتت الأمراء الذين كان يخشى منهم المعز، فعند ذلك قبض على الملك الأشرف يوسف الذي كان شريكه في السلطنة وسجنه بالقلعة، وانفرد بالسلطنة.

[سنة أربع وخمسين وستمائة (١٢٥٦ م)]

فيها أرسل الملك المعز أيبك بخطب بنت الملك بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، فلما بلغ ذلك شجرة الدر تغيرت على المعز أيبك وتغير هو أيضا عليها، لأنها كانت تمن عليه في كل وقت وتقول له: "لولا أنا ما وصلت أنت إلى السلطنة". .. وكانت قد منعته من الاجتماع بزوجته أم ولده الأمير علي، حتى أنها ألزمته بطلاقها منه بالثلاث.

وكانت شجرة الدر تركية الجنس، صعبة الخلق، شديدة الغيرة، قوية البأس، ذات شهامة زائدة وحرمة وافرة، سكرانة من خمرة العجب والتيه كما قيل في المعنى:

كتب القتل والقتال علينا … وعلى الغانيات جر الذيول

فلما صار أيبك معها في غاية الضنك حنق منها يوما ونزل إلى مناظر اللوق وهو غضبان، وكانت مناظر اللوق مكان الازبكية الآن، وكانت مطلة على بحر النيل. فلما نزل أيبك من القلعة أقام بمناظر اللوق أياما وهو غضبان، فأرسلت إليه شجرة الدر وهي تتلطف به حتى سكن غضبه وقام وطلع إلى القلعة فلاقته وقامت إليه وقبلت يده على غير عادة منها، وكانت شجرة الدر قد أضمرت له السوء فندبت له خمسة من الخدام الخصى

<<  <  ج: ص:  >  >>