وقد تحمل في هذه المدة اليسيرة اثم من قتله من الأمراء والمماليك في طلب السلطنة، وقد مهد لغيره فكان كما قيل في المعنى:
إلا إنما الأرزاق تحرم ساهرا … وآخر يأتي رزقه وهو نائم
ولما مرض ططر عهد بالسلطنة إلى ابنه محمد.
- الملك الصالح ناصر الدين
هو الملك الصالح ناصر الدين محمد، ابن الملك الظاهر ططر، وهو الحادي والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم، وهو السابع من ملوك الجراكسة وأولادهم بالديار المصرية في العدد.
بويع بالسلطنة بعد موت أبيه ططر في يوم الأحد رابع ذي الحجة سنة أربع وعشرين وثمانمائة.
تسلطن و- له من العمر نحو احدى عشرة سنة. فلما بايعه الخليفة أحضروا له خلعة السلطنة، وتلقب بالملك الصالح، ودقت له البشائر، ونودى باسمه في القاهرة، وجلس على سرير الملك.
فلما تم أمره في السلطنة خلع على المقر الأتابكي جاني بك الصوفي واستقر به أتابك العساكر على عادته، ومدير المملكة، فصار الأتابكي جاني بك في تلك الأيام صاحب الحل والعقد والابرام والنقض، فعز ذلك على بقية الأمراء، وصار الأمير طراباي الظاهري حاجب الحجاب يرمي الفتن بين الأتابكي جاني بك الصوفي وبين المقر السيفي برسباي الدقماقي أمير دوادار كبير، فوثب الأمير برسباي على الأتابكي جاني بك الصوفي، فهرب في أواخر النهار، فقبض عليه بعض المماليك وأحضروه إلى الأمير برسباي، فقيده وأرسله إلى السجن بثغر الاسكندرية، فاجتمعت الكلمة من بعد ذلك في برسباي، وصار صاحب الحل والعقد.
ثم أن برسباي وقع بينه وبين الأمير طراباي حاجب الحجاب، فقبض عليه وأرسله إلى السجن بثغر الاسكندرية، فعند ذلك صفا للأمير برسباي الوقت، وقويت شوكته، فتعصب له جماعة من الأمراء وخلعوا الملك الصالح محمد بن ططر من الملك وتسلطن برسباي، فكانت مدة سلطنة الملك الصالح بمصر ثلاثة أشهر وأربعة عشر يوما لا غير. وكان ليس له في السلطنة إلا مجرد الاسم فقط.