انتهى ما أوردناه من أخبار هذه السنة، وقد خرجت عن الناس على خير، وكانت سنة مباركة لم يقع فيها طاعون ولا فتن، غير أن كان البرد فيها شديدا ووقع فيها عدة أيام أفرط فيها البرد حتى جمدت المياه وصارت جليدا، وأحرق غالب الأشجار، ووقع فيها تشحيطة في سائر الغلال وتناهى سعر القمح إلى أشرفيين كل أردب، وكذلك الشعير والفول وجميع الحبوب كانت مشتطة في أسعارها ووقع الغلاء فيها أيضا، حتى وقع الغلاء في أصناف الحضر أيضا، وفي سائر البضائع من السكر والعسل والزيت والسمن والسيرج، حتى الزيت الحار والزبيب والأرز وسائر الأصناف، حتى البرسيم وغير ذلك.
[سنة ثماني عشرة وتسعمائة (١٥١٢ م)]
فيها - في المحرم - كان مستهل الشهر بالجمعة، فطلع الخليفة والقضاة الأربة يهنون السلطان بالعام الجديد.
وفي يوم الأحد ثالثه نزل السلطان من القلعة، وصحبته ولده، فتوجه إلى القرافة وزار الصالحين، ثم توجه من هناك إلى شاطئ البحر فشق من عليه وطلع من على الصليبة إلى القلعة.
وفي يوم الاثنين رابعه خلع السلطان علي قاصد على دولات وأذن له بالسفر إلى بلاده.
وفي يوم الثلاثاء خامسه نزل السلطان وسير إلى نحو المطرية، وكان يوما ماطرا مغيما، فنزل من هناك في قبة الأمير يشبك التي بالمطرية، فأقام بها إلى أواخر النهار ثم عاد إلى القلعة.
وفي يوم الأربعاء سادسه توفي الشيخ شمس الدين محمد الغزي خطيب جامع السلطان الذي في الشرابشيين، وكان من أهل العلم والفضل، وكان علامة في الخطب فصيحا في عبارته، وكان لا بأس به.
وفي يوم الجمعة ثامنه توفي القاضي عز الدين عبد العزيز بن الأمانة أحد نوب الشافعية، وكان لا بأس به، وهو ابن أخي القاضي جلال الدين بن الأمانة.
وفي يوم السبت تاسعه طلع الرئيس كمال الدين بن شمس المزين وقابل السلطان، وقد تقدم القول بأنه قد تغير خاطره عليه ومنعه من الطلوع إلى القلعة، فاختفى هذه المدة ولم يعلم له خبر، فطلع في ذلك اليوم وصحبته فقراء من مقام سيدي إبراهيم الدسوقي ﵁ وهم يذكرون ومعهم أعلام ومصاحف فدخلوا الحوش، وكان السلطان عرض في ذلك اليوم مماليك كتابية وأخرج منهم خرجا على جاري العادة، وكان ذلك اليوم في غاية السودنة، فلما دخل أولئك الفقراء عليه وهم على هذه الهيئة ازداد سودنة، فلما وقفوا بين