يديه رأى كمال الدين بن شمس وعليه احرام صوف أبيض وهو بطيلسان وعذبة في عمامته، فلما رأى ذلك نهر الفقراء الذين معه وشتتهم، ثم التفت إلى كمال الدين بن شمس، ووبخه بالكلام وشتمه وسبه سبا فاحشا وقال له:"أنا ما قلت لك لا تريني وجهك، فأنا ما شوشت عليك ولا صادرتك، فما تروح عني بشحم كلاك، غبت وجئت إلى شيخ من المشايخ! متى بقي لك سر وبرهان؟! "، ثم إن السلطان رسم بتسليمه إلى الوالي يعاقبه
ثم في ثاني يوم أشيع بين الناس أن السلطان أرسل كمال الدين إلى المقشرة. فما أحد شكر كمال الدين على ذلك، وكان عدم مقابلته له أصوب، وكان كمال الدين من خواص السلطان ويكبّسه وقت الظهر إذا نام، ثم تغير خاطره عليه، وكان سبب ذلك أن السلطان حصل له قرو في محاشمه ففصده كمال الدين في محاشمه عدة مرار، فبلغ السلطان أن كمال الدين قد شرع يقول للأمراء والناس:"إن السلطان بقي مقيلط". فتغير خاطره عليه بسبب ذلك، وقيل: كان كمال الدين يبلص الأمراء والمباشرين على لسان السلطان، فكثرت فيه المرافعات من كل جانب وسقط نجمه من السماء.
وفي يوم الأحد، وهو يوم عاشوراء، فيه نزل السلطان وتوجه إلى نحو المقياس وجلس في القصر الذي أنشأه هناك، وكان معه جماعة من الأمراء، فأقام هناك إلى قريب المغرب، وانشرح في ذلك اليوم إلى الغاية، ومد هناك أسمطة حافلة، وأحضر بين يديه مغاني وأرباب الآلات … ثم إن شخصا مضحكا يقال له على باي الذي يعمل عفريتا في المحمل، فقام رقص ثم سحب الوالي كرتباي فرقصه، ثم سحب أمير آخور ثاني أقباي الطويل فرقصه، ثم سحب بركات بن موسى المحتسب فرقصه، ثم سحب عبد العظيم الصيرفي فرقصه، وكان جسيما فضحك عليه السلطان، ونثروا بين يديه أشياء من أنواع الورد والزهر والفاكهة ومجامع الحلوى فتخاطف ذلك المماليك، وابتهج في ذلك اليوم، ثم عدى أواخر النهار من الروضة وطلع من عند قصر ابن العيني الذي بالمنشية، وطلع من هناك إلى القلعة.
وفي يوم الاثنين حادي عشره حضر إلى الأبواب الشريفة قصاد من عند ملوك الفرنج، الفرانسة، وكان هؤلاء القصاد من رؤساء الفرنج فأرسل لهم السلطان خيولا يركبونها من بولاق إلى القلعة، فلما طلعوا أوكب لهم السلطان بالحوش، وزينوا لهم باب الزردخاناه وباب القلعة بالصناجق واللبوس وآلة السلاح، فلما طلعوا إلى القلعة فكانوا نحوا من خمسين نفرا، ومن أعيانهم اثنان لابسان ثياب محمل كفوي، في رقابهما سلاسل من ذهب، فلما وقفوا بين يدي السلطان أظهروا التعاظم ثم باسوا له الأرض، فلما قرؤوا كتابهم