للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الفقراء، وفرق في ذلك اليوم على الفقراء ثلاثين ألف رغيف، وصلى على الرمل من غير سجادة. وتواضع إلى الله تعالى في ذلك اليوم، فزاد النيل ووفى في أواخر توت ثم انهبط بسرعة، وشرقت أكثر البلاد، واستمر الغلاء بمصر سنة كاملة، وعزت الأقوات.

[سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة (١٤١٩ م)]

فيها كملت عمارة جامع الملك المؤيد شيخ الذي هو داخل باب زويلة، وكان مكان هذا الجامع سجنا بحبس فيه اصحاب الجرائم، وكان يعرف بخزانة شمايل. وكان شمايل هذا من جملة جماعة والي القاهرة، فلما خرج الملك الكامل صاحب المدرسة الكاملية إلى قتال الفرنج لما أخذوا ثغر دمياط، كان شمايل هذا يمشي في ركاب الملك الكامل، ويسبح في البحر تحت الليل، ويكشف عن أخبار الفرنج ويأتي الملك الكامل بالأخبار، فحظي عنده بذلك. فملا انتصر الملك الكامل على الفرنج جعل شمايل هذا وإلى القاهرة، فبنى له هذا السجن فنسب إليه، وقيل "خزانة شمايل".

وكان الملك المؤيد شيخ من جملة من حبس في خزانة شمايل في دولة الملك الناصر فرج بن برقوق فقاسى بها شدائد عظيمة، فنذر في نفسه أن خلص من هذه الشدة وبقى سلطانا يهدم هذا السجن ويبني مكانه جامعا فلما تولى الملك بمصر هدمه وبنى مكانه هذا الجامع وقد تناهى في زخرفته ورخامة وسفوفه وأبوابه، فلم يبن في القاهرة مثله ولا مثل سقفه، ولكنه ظلم أعيان الناس في تحصيل رخامه، وصاروا يكبسون البيوت والحارات بسبب الرخام، فظلم خلق الله حتى حصل هذا الرخام، ومن جملة ظلمة فيه أنه أخذ باب مدرسة السلطان حسن والتنور الكبير وجعلهما في جامعة، وأعطى فيهما أبخس الأثمان.

وأخذ العمودين السماق اللذين في المحراب من جامع قوصون الذي بالقرب من بركة الفيل، ووزع أخشاب سقوفه ودهانها على أعيان المباشرين فكان كما قيل:

بنى جامعا لله من غير حله … فجاء بحمد الله غير موفق

كمطعمة الأيتام من كد فرجها … فليتك لا تزنى ولا تتصدقي

ولما تم بناء هذا الجامع وقف عليه الأوقاف الجليلة من بلاد ومسقفات، وقرر فيه حضورا من بعد العصر، ورتب لهم جوامك وخبزا، وقرر شيخ الحضور الشيخ شمس الدين الديري الحنفي، وجعل الخطابة للقاضي ناصر الدين بن البارزي، وأودع بهذا الجامع خزانة كتب نفيسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>