فيها توفى سيدي حسين ابن الملك الناصر محمد ابن قلاون، وهو والد الملك الأشرف شعبان، وهو آخر من توفى من أولاد الملك الناصر محمد ابن قلاون، مات ولم يل السلطنة، فانه كان عنده خفة ووهج وصعصعة. فلما قتل السلطان حسن لم يوافق الأتابكي يلبغا على سلطنته، واختار محمد ابن الملك المظفر حاجى فولاه كما تقدم. وكانت وفاته يوم السبت رابع ربيع الآخر من السنة المذكورة.
ومن الحوادث في هذه السنة أنه في يوم الثلاثاء رابع شعبان طلع الأتابكي يلبغا إلى القلعة وقبض على السلطان الملك المنصور محمد، وخلعه من السلطنة، وأدخله دور الحرم متحفظا به، وولى سيدي شعبان ابن سيدي حسين المقدم ذكر وفاته، فكانت مدة سلطنة الملك المنصور محمد ابن الملك المظفر حاجى بالديار المصرية سنتين وأربعة أشهر لا غير.
واستمر في دور الحرم مقيما في غبوق وصبوح لا يفيق من السكر ساعة، وعنده جوقة جوارى مغنيات نحو عشر من الجواري يدفون بالطارات عند الصباح والمساء، وكانت هذه عادة رؤساء مصر تغنى عندهم الجواري المغنيات، وآخر من كان يفعل ذلك من أعيان مصر الأمير جمال الدين محمود الأستدار، ثم بطل ذلك مع جملة ما بطل من محاسن عيشة الأكابر بالديار المصرية.
ثم أن الملك المنصور أقام على ذلك وهو مختف في دور الحرم إلى أن مات في ليلة السبت تاسع المحرم من احدى وثمانمائة في دولة الظاهر برقوق، ومات وله من العمر نحو خمس وخمسين سنة (١)، ودفن في تربة جدته أم أبيه خوند طغلى عند الباب المحروق، وخلف من الأولاد نحو خمسة ذكور وإناث، واستمرت هذه الجوقة المغنيات بعده دائرة في القاهرة يعرفن بمغاني المنصور.
وكان الملك المنصور هذا لما خلع من السلطنة قنع من الدنيا بأرغد العيش من شرب الخمور وسماع الزمور، وكان راضيا بما فيه من ذلك، واستغنى بذلك عن السلطنة كما قيل في المعنى:
كل الملوك تسلطنوا … بالملك والسلاح
وأنا قنعت منه … بالراح والملاح
(١) - لا يستقيم هذا مع قول المؤلف ان عمره كان أربعا وعشرين سنة عند مبايعته عام ٧٦٢ هـ.