للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمراكب والزوارق، ويجتمع فيها السواد الأعظم من الخاص والعام من المسلمين والنصارى، فإذا دخل الليل تزين المراكب بالقناديل وتشعل فيها الشموع، وكذلك على جوانب الشطوط من بر مصر والروضة، وكان يشعل على الشطوط في تلك الليلة أكثر من ألف مشعال وألف فانوس وتنزل رؤساء القبط في المراكب، وكان ينفق في تلك الليلة من الأموال ما لا يحصى في مآكل ومشارب، تتجاهر الناس بشرب الخمر، وتجتمع أرباب الملاهي وأرباب الملاعب من كل فن، ويخرج الناس في تلك الليلة عن الحد في اللهو والفرجة، ولا يغلق في تلك الليلة دكان ولا درب ولا سوق، وكانوا يهادون رؤساء الأقباط في تلك الليلة بأطنان القصب والبوري والحلوى القاهرية والكمثري والتفاح الفتحي والسفرجل والأترج والنارنج والليمون المراكبي وطاقات النرجس وغير ذلك من الأنواع اللطيفة، وكانوا بعد العشاء يغطسون في بحر النيل - النصارى مع المسلمين سوية - ويزعمون أن من يغطس في تلك الليلة يأمن من الضعف في تلك السنة. فلما كان وقت الغطاس نادى الخليفة الظاهر بالا يختلط النصارى بالمسلمين عند الغطاس، وكان في قصر جده المعز الذي يشرف على بحر النيل يتفرج على ذلك المهرجان الذي يحصل في تلك الليلة. وكان المعز لما قدم إلى مصر ورأى ما يحصل في ليلة الغطاس من المفاسد العظيمة أمر بابطال ذلك، واستمر ذلك باطلا من سنة اثنتين وستين وثلثمائة إلى سنة خمس عشرة وأربعمائة. فأمر الخليفة الظاهر بإعادة ذلك حتى يتفرج عليه.

قال المسبحي: إن في الدولة الفاطمية كان رؤساء القبط يضربون في يوم خميس العدس خراريب من ذهب ويفرقونها على أرباب الدولة برسم التبرك. وكانوا يضربون من هذه الخراريب نحو خمسمائة مثقال، فبطل ذلك جميعه من مصر من جملة ما بطل من القواعد القديمة.

واستمر الخليفة الظاهر لدين الله في الخلافة بمصر حتى توفي، وكانت وفاته في يوم الأحد خامس عشر شعبان سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وكانت مدة خلافته بمصر عشر سنين وتسعة أشهر (١).

ولما مات الظاهر لدين الله تولى من بعده ابنه المستنصر بالله أبو تميم.

- المستنصر بالله

هو المستنصر بالله أبو تميم، معد، بن الظاهر لدين الله علي بن منصور الحاكم بأمر الله، وهو الخامس من بني عبيد الله الفاطمي، بويع له بالخلافة بعد موت أبيه الظاهر لدين


(١) - الذي في المقريزي ان مدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأيام، وهو الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>