وفي هذه السنة جاءت الأخبار من مكة بأن أمير مكة الشريف علي بن عجلان قد قتل والذين قتلوه من أقاربه. وفيها كثر الموت بالديار المصرية، ومات للسلطان ولدان وهما سيدي محمد وسيدي قاسم. وفيها توفى قاضي القضاة ناصر الدين محمد ابن الميلق الشافعي، وتوفى الشيخ زين الدين أبو بكر الموصلي الواسطي، وتوفى الشيخ غياث الدين العاقولي - وكان زين الدين الموصلي من أعيان الصوفية - وفيها كانت وفاة المقر البدل ابن فضل الله كاتب السر الشريف وأخيه حمزة بعد شهر واحد، وفيهما يقول عويس العالية:
قضى البدر بن فضل الله نحبا … ومات أخوه حمزة بعد شهر
فلا تعجب لذي الأجلين يوما … فحمزة مات حقا بعد بدر
[سنة ثمان وتسعين وسبعمائة (١٣٩٦ م)]
فيها في يوم السبت سادس صفر تغير خاطر السلطان على الأمير جمال الدين محمود الاستادار، فأرسل إليه طواشي يسمى شاهين الحسنى الجمدار، فأخذ ولده الأمير محمدا وأخذ نساءه وسراريه، وطلع بهم إلى القلعة، فسجن الأمير محمدا في البرج، ورسموا على النساء، فاختفى الأمير محمود. ثم أن القاضي سعد الدين ابراهيم ابن غراب وكيل بيت المال نزل إلى بيت الأمير محمود - هو والأمير علي باي الخازندار - فاحتاطوا على موجود الأمير محمود، فظهر له في أول يوم في مكان عقد تحت سلم مائة ألف دينار وخمسون ألف دينار.
فلما كان يوم الاثنين ثامن صفر خلع السلطان على الأمير قطلو بك العلائي واستقر به استادارا عوضا عن الامير محمود بن علي الظاهري، وخلع على القاضي بدر الدين بن غراب واستقر به ناظر الديوان الشريف المفرد، وخلع على الأمير مبارك شاه واستقر به وزيرا عوضا عن الناصري محمد ابن رجب بن كلبك.
ثم أن السلطان اشتد غضبه على الأمير محمد ابن الأمير محمود الاستادار فسلمه إلى الأمير علاء الدين بن الطبلاوي وإلى القاهرة، فعاقبه أشد عقاب، وقرره على الاموال
فعند ذلك اتسع الخرق على الراقع، وتخنت جراحات الأمير جمال الدين محمود، وكثرت فيه المرافعات من الناس، كما قيل في المعنى:
قد ينعم الله بالبلوى وان عظمت … ويبتلي الله بعض الناس بالنعم