وفيه خرج نوروز الخوخ أحد الأمراء العشراوات قاصدا إلى كرتباي الأحمر نائب الشام، وعلى يده مراسيم بالعتب عليه لكونه استولى على نيابة قلعة الشام من غير إذن السلطان. فتوجه إليه وعاد بعد مدة بغير طائل.
وفيه توفى أقباي استادار الذخيرة، وكان لا بأس به.
وفيه جاءت الأخبار من مكة المشرفة بوفاة أسنباي الذي كان نائب الإسكندرية، واتهم بموته كاتب السر لما توجه إلى هناك. وقد خرجت السنة المذكورة عن الناس وهم في أمر عظيم، ووقع بها الغلاء والفناء والمصادرات، وجور السلطان في حق الناس، كما تقدم، وأذى المماليك في حق الرعية، وقد كان الناس في غاية الاضطراب. وما كفى هذا كله حتى فشا في الناس داء يقال له الحب الفرنجي (١) - أعاذنا الله تعالى منه والمسلمين أجمعين بمنه وكرمه - وقد أعيا الأطباء أمره، ولم يظهر هذا بمصر قط إلا في أوائل هذا القرن، ومات به من الناس ما لا يحصى.
[سنة أربع وتسعمائة (١٤٩٨ - ١٤٩٩)]
في المحرم، كان خليفة الوقت المستمسك بالله أبا الصبر يعقوب بن المتوكل على الله عبد العزيز، وسلطان العصر الملك الناصر أبا السعادات محمد بن الأشرف قايتباي ﵀. وأما القضاة الأربعة: فالقاضي زين الدين زكريا الشافعي، والقاضي برهان الدين بن الكركي الإمام الحنفي، والقاضي عبد الغني بن تقي المالكي، والقاضي شهاب الدين أحمد بن الششيني الحنبلي.
وأما الأمراء المقدمون فقد تقلبت أحوالهم بموجب ما جرى من الفتن والقتل، كما تقدم في أخبار السنة الخالية. فكان الأتابكي أزبك بن ططخ أمير كبير يومئذ، وتاني بك الجمالي الظاهري جقمق أمير مجلس، وقاني باي الرماح أمير آخور كبير، وقانصوه خال السلطان دوادار كبير واستادار كبير وكاشف الكشاف، وقرقماس بن ولي الدين رأس نوبة كبير، وقيت الرحبي حاجب كبير. وبقية الأمراء على حكم ما تقدم من أخبارهم. وأما المباشرون فالقاضي بدر الدين بن مزهر كاتب السر ونائبه، وصلاح الدين بن الجيعان، والقاضي شهاب الدين أحمد ناظر الجيش، والقاضي علاء الدين بن الصابوني ناظر الخاص، ووكيل بيت المال، وبقية المباشرين على حكم ما تقدم.
وفيه من الوقائع أن النيل أوفى تاسع عشر مسرى الموافق لرابع المحرم. وكان السلطان عول على أن ينزل ويفتح السد بنفسه، وأخذ في أسباب ذلك فلم يمكنه الأمراء من
(١) - هو "الزهري"، عاد به كولومبس وملاحوه من امريكا، ولم يكن معروفا في العالم القديم من قبل.