وكان قتل الملك المظفر قطز في اليوم الخامس عشر من ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة، ودفن هناك في مكان قتله بالقرين، وقيل نقل بعد ذلك ودفن في مدرسته التي بالقرب من زاوية الشيخ خلف، وكانت مدة سلطنته سنة إلا أياما "ثم تولى من بعده الأمير بيبرس البندقداري.
- الملك الظاهر
هو الملك الظاهر، ركن الدين بيبرس، العلائي، البندقداري الصالحي النجمي، وهو الرابع من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، تسلطن بعد قتل الملك المظفر قطز في يوم السبت الخامس عشر من ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة، وتلقب بالملك القاهر أبي الفتوحات.
فلما تلقب بالملك القاهر عز ذلك على جماعة من العلماء، فقال الصاحب زين الدين بن الزبير:" ما تلقب أحد بهذا اللقب فأفلح، ولقد تلقب به جماعة من الملوك فلم تطل أيامهم ".
فلما سمع ذلك ترك ذلك اللقب وتلقب بالملك الظاهر بيبرس، وكان أصله تركي الجنس، أخذ من بلاده وهو صغير فبيع لشخص يسمى العماد الضائع، ثم بعده اشتراه منه الأمير علاء الدين ابدكين البندقداري، فلما قبض عليه الملك الصالح نجم الدين أيوب واحتاط على موجوده، أخذ بيبرس من جملة الموجود، ثم أن الملك الصالح أعتقه وجعله من جملة المماليك البحرية.
وكان بيبرس هذا شجاعا بطلا، أظهر في يوم وقعة الافرنج التي كانت في المنصورة في أيام الملك المعظم توران شاه من الشجاعة ما لا يسمع بمثله … فلا زالت الاقدار تساعده حتى بقي أتابك العساكر في أول دولة الملك المظفر قطز. فلما قتل قطز بقي بيبرس سلطانا كما تقدم، فلما جلس على مرتبة السلطان قطز قبل له الأمراء الأرض وحلفوا ألا يخونوا لا يغدروا ولا يثبوا عليه، وذلك الحلف على المصحف الشريف. ثم أحضر خلعة وخلع على الأمير فارس الدين أقطاي المستعرب، واستقر به أتابك العساكر عوضا عن نفسه.
فلما تم أمره في السلطنة قصد التوجه نحو الديار المصرية، فدخل القاهرة في الليل، وطلع إلى قلعة الجبل، فلما طلع النهار نادى المنادي في مصر والقاهرة:" ترحموا على الملك المظفر قطز، وادعوا بالنصر للملك الظاهر بيبرس البندقداري".