بقيت مدى الدنيا جمالا لدولة … لها منك سهم في اللقا ورسيس
تسوق لها عز الفتوح جنائبا … وأول هاتيك الجنائب سيس
[سنة خمس وستين وستمائة (١٢٦٧ م)]
فيها أبطل السلطان ضمان الحشيشة، وأمر بإحراقها، وأخرب بيوت المسكرات وكسر ما فيها من الخمور وأراقها، ومنها الخانات من الخواطى … وعم هذا الأمر سائر الجهات المصرية، وبرزت المراسيم الشريفة بمنع ذلك من سائر الجهات الشامية، فطهرت في أيامه سائر البقاع، ومنع الناس من ذلك غاية الامتناع.
ثم أحضروا إليه في أثناء هذه الواقعة شخصا يسمى ابن الكازروني، وهو سكران، فأمر بصلبه فصلب بعد حد عظيم في مستحقه، وعلقت الجرة والقدح في عنقه، فلما عاين أرباب المجون والخلاعة ما جرى لابن الكازروني امتثلوا أمر السلطان بالسمع والطاعة، وقد قال القائل:
لقد كان حد السكر من قبل صلبه … خفيف الأذى إذ كان في شرعنا جلدا
فلما بدا المصلوب قلت لصاحبي: … ألا تب، فإن الحد قد جاوز الحدا
قال الشيخ شمس الدين بن دانيال، صاحب كتاب طيف الخيال: "لما قدمت من الموصل إلى الديار المصرية، في الدولة الظاهرية، سقى الله من سحب الأنعام عهدها، وأعذب مشارب وردها، فوجدت مواطن الأنس دارسة، وأرباب اللهو والخلاعة غير آنسة، ومن لذة العيش آيسة. وهزم أمر السلطان، جيش الشيطان، وتولى الخوان وإلى القاهرة أهراق الخمور، واحراق الحشيش وتبديد المزور … وشاعت بذلك الأخبار، ووقع الانكار، واختفى المسطول في الدار، وقد آذى الخلاعة غاية الأذية، وصلب ابن الكازروني وفي رقبته نباذية … فدعاني بعض أصدقائي إلى محله، وأنزلني من عياله وأهله. واعتذر إلي عن تقصيره في الاكرام، إذ لم يأتني بمدام. وقال قد غلب على ظني أن أبا مرة (١) قد مات، وعد من الرفات … فقم بنا نبكيه، ونصف الحالة ونرثيه. فابتدأت وقلت، في معنى هذه الواقعة التي وقعت: