وفيه أنعم السلطان على أقباي بن جانم الظاهري خشقدم بأمرية عشرة، وهي أمرية أصباي السيفي قرقماش الشعباني بحكم أنه كان مريضا منقطعا في داره. وأنعم على أبي شعرة بأمرية عشرة، وهي أمرية قراكز بحكم عزله أيضا.
وفيه كانت الضحايا قليلة جدا ولا سيما الغنم.
وفيه جلس السلطان لتفرقة الجامكية، فامتنع المماليك من أخذها وصمموا وقالوا:"ما نأخذ إلا النفقة مع الجامكية، ولا نصبر إلى الشهر الآتي". .. فلما رآهم قد صمموا على ذلك أنفق عليهم، فأعطى المماليك الجلبان كل واحد منهم خمسين دينارا، وأعطى القرانصة كل واحد منهم خمسة وعشرين دينارا، ولم يعط الذين لم يتوجهوا نحو التجريدة المقيمين، ووقع القال والقيل بسبب ذلك، فلم يلتفت إلى شيء من كلامهم وخمدت هذه الفتنة.
[سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة (١٤٨٦ م)]
فيها، في المحرم، كانت الأسعار متشحطة ومشطة في سائر البضائع، وتشحط الخبز من الدكاكين، حتى بيع كل رطل من الخبز بنصف فضة، وكانت أحوال الناس واقفة بسبب الفلوس الجدد حتى غلا سعر راوية الماء، وعز وجود جمال السقائين، وصار الغلاء في المأكول والمشروب … هذا والمماليك قد طغوا في حق الناس، وتزايد منهم الضرر الشامل، والعربان قد تزايدت شرورهم في البلاد من الشرقية والغربية، وابن عثمان في غاية التحرك على البلاد الحلبية، والسلطان في غاية الظلم والمصادرات للناس بسبب خروج التجريدة إلى ابن عثمان ثانيا. وصار العسكر في أمر مريب بسبب ذلك، والإشاعات قائمة بوقوع فتنة بين الجلبان، وقد صاروا فرقتين: فرقة مع قانصوه خمسمائة، وفرقة مع أقبردي الدوادار … والاضطراب بينهما عمال.
وفيه جاءت الأخبار من ثغر دمياط بوفاة الملك المنصور عثمان ابن الملك الظاهر جقمق. وكان ملكا جليلا وله اشتغال بالعلم على مذهب أبي حنيفة ﵁ ورحمه، حتى صار مفتيا في طبقة العلماء، ومات وهو في عشر الخمسين من العمر. فلما بلغ السلطان وفاته رسم بنقل جثته إلى مصر ودفن على أبيه الملك الظاهر جقمق، وشرع في أسباب ذلك، وعين من يتوجه إلى هناك ليحضره.