إن تأريخ التاريخ من الأمور الشائكة، وتنسيقها وتقديمها للقارئين، أمر في غاية الصّعوبة، لما فيه من أحداث متتابعة، فتكثر فيها المراجع، وتتشعب الاتجاهات وتختلف وجهات النظر اختلافا كبيرا، فيغدو الصبر وسيلة أولى يلجأ إليها المؤلف، وهو يقدّم لوطنه وأمته ما يبعث على الاعتزاز والفخر، ويأخذ التوفيق حيّزا كبيرا في توخي الدّقة دون إثارة النعرات والخلافات، فالمنطق عكس صورة واضحة المعالم على أمة من الأمم وحقبة معينة من التاريخ، خاصة إن كانت هذه الحقبة من أهم الحقبات والقطر من أهم الأقطار، عندها يصعب العمل أكثر مما يحمله الناس من ثقافة وفكر وما مرّ على هذا القطر من حوادث وتغيرات.
كانت مصر أقدم البلاد العربيّة، وأغناها ثقافة، وأوسعها فكرا، ومعناها الجدار أو الحائط أو الحد أو المعبد، تقع في الزاوية الشمالية الشرقية من قارة أفريقيا، ويتميز تاريخها بصفات أربع أساسية هي القدم، والاستمرارية، والوحدة، والسلطة المركزية كما يشير مجموعة من المؤرخين.
يرجع تاريخ مصر الموحدة إلى عام ٤٢٤٠ ق. م، وكانت عاصمتها هليوبوليس، مكان عين شمس الحالية، وانقسمت مصر بعد زمن إلى وجهين الوجه البحري في الشمال، والوجه القبلي في الجنوب.
وليها الفراعنة منذ أكثر من خمسة آلاف سنة. كما هو مبين من المنحوتات الصخرية على جدار المقابر الأثرية.