وحضر الخليفة والقضاة الأربعة، فخلعوا الملك المؤيد أحمد من السلطنة وبايعوا الأتابكي خشقدم، فكانت مدة الملك المؤيد في السلطنة أربعة أشهر وثلاثة أيام.
وكان المماليك كاتبوا جانم نائب الشام أن يحضر إلى مصر ليلى السلطنة، وأرسلوا إليه صورة حلف، وكتب فيه الأمراء الأشرفية خطوط أيديهم بأنهم ارتضوا بجانم أن يكون هو السلطان عليهم، وأرسلوا يستحثونه في الحضور فأبطأ عليهم، فما صبروا إلى أن يحضر، فوثبوا على المؤيد في رمضان وحاربوه ثلاثة أيام، فلما انكسر التفوا على الأتابكي خشقدم وولوه السلطنة عارية إلى أن يحضر جانم نائب الشام، فصار الهزل جدا وكان كما قيل في المعنى:
وان صبابتي كانت مزاحا … فصيرها الهوى حقا يقينا
وكان الملك المؤيد أحمد كفئا للسلطنة، ذا عقل ورأى، كامل الهيبة، ساس الناس في أيامه أحسن سياسة، وقمع مماليك أبيه عما كانوا يفعلونه من تلك الأفعال الشنيعة، وكان بصيرا بمصالح الرعية، ولو أقام في السلطنة لحصل للناس به غاية النفع … ولكن خانه الزمان، وأخذ من حيث كان يرجو الامان، كما قيل:
وإذا جفاك الدهر - وهو أبو الورى … طرا - فلا تعتب على أولاده
- الملك الظاهر أبو سعيد
هو الملك الظاهر أبو سعيد سيف الدين خشقدم الناصري المؤيدي، وهو الثامن والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، وهو أول ملوك الروم بمصر … إن لم يكن أيبك التركماني من الروم، ولا لاجين من الروم، فخشقدم أول ملوك الروم بمصر.
وكان الظاهر خشقدم أصله رومي الجنس، جلبه الخواجا ناصر الدين - وبه يعرف بالناصري - فاشتراه منه الملك المؤيد شيخ ثم أعتقه، وأخرج له خيلا وقماشا وصار جمدارا، ثم بقي خاصكيا في دولة الملك المظفر أحمد ابن الملك المؤيد شيخ. ودام على ذلك دهرا طويلا إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق فأنعم عليه بأمرية عشرة، وذلك في سنة ست وأربعين وثمانمائة (١٤٤٢/ ١٤٤٣ م)، وصار رأس نوبة. واستمر على ذلك إلى سنة خمسين وثمانمائة (١٤٤٦ م)، فأنعم عليه السلطان بتقدمة ألف بدمشق، فتوجه إليها ودام بدمشق إلى أن تغير خاطر السلطان على الأمير قاني بك الظاهري حاجب الحجاب