السلطان فأحاطوا بهم فما نجا منهم إلا من طال عمره، ونهبوا ما كان معهم من سلاح وخيول ومال.
وأما الإمام أحمد فلم يعلم له خبر، ولا وقف له على أثر. فمن الناس من يقول أنه قتل تحت الليل وقت الكبسة، ومن الناس من يقول أنه نجا بنفسه وهو مجروح مع طائفة من العرب فأقام عندهم أياما ومات … والله أعلم. وكانت هذه الواقعة في أواخر سنة تسع وخمسين وستمائة.
فلما جاءت الأخبار إلى القاهرة بما جرى للإمام أحمد، تأسف الملك الظاهر بيبرس على ذلك غاية الأسف، وراح ما صنعه في البارد، فكان كما قال الشاعر في المعنى وأجاد:
أنفقت كنز مدائحي في ثغره … وجمعت فيه كل معنى شارد
وطلبت منه جزاء ذلك قبلة … فأبى، وراح تغزلي في البارد
[سنة ستين وستمائة (١٢٦٢ م)]
فيها جاءت الأخبار بأن شخصا من ذرية بني العباس يقال له الإمام أحمد أيضا قد وصل إلى الديار المصرية، فلما بلغ ذلك الملك الظاهر بيبرس خرج إلى تلقيه، فلاقاه من الريدانية، وصعد به إلى القلعة وأنزله بالبرج الكبير الذي بالقلعة، وكان هذا الإمام أحمد الثاني مستخفيا عند جماعة من العرب في قرية من أعمال بغداد، فسبقه الإمام أحمد ابن الخليفة الظاهر إلى مصر. فلما قتل الإمام أحمد حضر إلى مصر، فعقد له الملك الظاهر مجلسا ثانيا، وجمع فيه القضاة، وفعل به كما فعل أولا. وكان قد حضر معه الأمير عيسى بن مهنا وجماعة كثيرة من العربان، فشهدوا بين يدي قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز بأن هذا الإمام أحمد هو ابن علي، بن أبي بكر، ابن الخليفة المسترشد، ابن الخليفة المستظهر، ابن الخليفة المقتدى، ابن محمد الذخيرة العباسي الهاشمي … فثبت ذلك على يد قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز، وحكم بصحة ذلك.
ثم أن القضاة بايعوا الإمام أحمد بالخلافة ولقبوه بالحاكم بأمر الله، وثبت نسبه، وتولى في ذلك المجلس الخلافة.
ثم أن الإمام أحمد بايع الملك الظاهر بالسلطنة ثانيا، وبايع أعيان الدولة على قدر طبقاتهم، ثم أمر السلطان بأن يخطب باسم الخليفة واسمه على منابر مصر وأعمالها،