فيها أرسل السلطان تجريدة إلى أخيه الناصر أحمد وهو في الكرك، فحاصروه أشد المحاصرة فلم يقدروا عليه، والسلطان يخرج له تجريدة بعد تجريدة وهو لا يمل من القتال، وقد حصن قلعة الكرك فلم يقدروا على أخذها، واستمر على ذلك حتى نفد جميع ما كان عنده من المال والغلال، فضرب ما بقي عنده من السروج الذهب والكبابيش وخلط مع الذهب النحاس، فكان الدينار الذي ضربه يساوي خمسة دراهم فضة، وأنفق ذلك على العسكر الذين هم بقلعة الكرك، وقد هلكوا من الجوع والعطش والعرى، فلما طال عليهم الأمر تفرقوا من حوله وقد أقاموا معه في المحاصرة نحو ثلاث سنين.
فلما كان يوم الاثنين ثاني عشرى صفر، طلب الملك الناصر أحمد من العسكر الأمان، ونزل إليهم فقيدوه وارسلوا يعلمون السلطان الملك الصالح بذلك، فأرسل إليه الأمير منجك اليوسفي فقطع رأسه وأحضرها إلى القاهرة في علبة. وكانت قتلته في أواخر صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة. وكان الناصر أحمد أشجع أخوته، وأحسنهم شكلا، وأكبرهم سنا … لكنه كان سيء التدبير، قليل المعرفة، الغالب عليه الجهل وقوة الرأس وقلة الثبات في الأمور. وقيل لما وضعوا رأسه بين يدي أخيه الملك الصالح سجد لله شكرا وأمر بدفنها.
[سنة ست وأربعين وسبعمائة (١٣٤٥)]
فيها مرض السلطان وسلسل في المرض إلى أن مات يوم الخميس حادي عشرى ربيع الأول سنة ست وأربعين وسبعمائة، فكانت مدة سلطنته بالديار المصرية ثلاث سنين وشهرا ونصفا، وكان خيار أولاد الملك الناصر محمد بن قلاون، وله بر ومعروف على جهات خير، فمن ذلك أنه وقف ضيعة تسمى بيسوس وجعلها مرصدة على كسوة الكعبة الشريفة. وكان يحب العدل والإنصاف بين الرعية، وساس الملك في مدة ولايته أحسن سياسة … ولم يزل على ذلك على أن مات على فراشه - بخلاف أخوته - فكثر عليه الأسف والحزن من الناس، وقد رثاه الصلاح الصفدي بقوله:
مضى الصالح المرجو للبأس والندى … ومن لم يزل يلقى المنا بالمنايح
فيا ملك مصر، كيف حالك بعده … إذا نحن أثنينا عليك بصالح؟