الديار المصرية، وما صدق العسكر بأن فتنة منطاش قد خمدت فانتشت لهم هذه الفتنة العظيمة، فكان كما قيل في المعنى:
وثقيل ما برحنا … نتمنى البعد عنه
غاب عنا ففرحنا … جاءنا أثقل منه
وفي هذه السنة توفى من الأعيان عبد الرحمن أبو تاشفين صاحب تلمسان ملك الغرب وتولى من بعده أخوه محمد، وتوفى قاضي القضاة ناصر الدين الكناني العسقلاني الحنبلي وتولى بعده القاضي موفق الدين الحجازي المقدس الحنبلي، وتوفي قاضي القضاة شهاب الدين الزهري الشافعي، وتوفى الصاحب شمس الدين المقسي وزير الديار المصرية وناظر الخواص الشريفة ودفن في جامعه الذي أنشأه في باب البحر المطل على الخليج الناصري، وتوفى الشيخ سراج الدين ابن الملقى والقاضي أبو البقاء السبكي وغير ذلك من الأعيان.
[سنة ست وتسعين وسبعمائة (١٣٩٤ م)]
فيها جاءت الأخبار بأن القان أحمد بن أويس قد وصل إلى غزة، فأرسل السلطان لملاقاته، ثم أن القان أحمد وصل إلى الريدانية في يوم الثلاثاء سابع ربيع الأول سنة ست وتسعين، فنزل السلطان من القلعة، وخرج إلى تلقيه فلما وقعت عين السلطان على القان أحمد بن أويس، ترجل له عن فرسه، وترجل القان أحمد أيضا، ثم أن السلطان أتى بقباء حرير بنفسجي مغرى بفاقم بطرز ذهب عريض فألبسه للقن أحمد، وأحضر إليه فرسا بسرج ذهب وكنبوش فأركبه إياه، وركب السلطان ومشى القان أحمد عن يمينه، وطلعا من بين الترب فلما وصلا إلى رأس الصوة صوب السلطان وثنى عنان فرسه، فنزلت الأمراء مع القان أحمد إلى بيت الأمير طقزدمر المطل على بركة الفيل، فنزل به ونزل معه الأمراء، فمد له السلطان هناك سماطا عظيما، فأكل وأكلت معه الأمراء، ثم قام الأمراء وتوجهوا إلى بيوتهم، وقام القان أحمد ودخل إلى البيت.
ثم أن السلطان أرسل إلى القان أحمد تقدمة عظيمة، وهي طوالة خيل خاص بسروج ذهب وكنابيش، وعشرون مملوكا صغارا، وعشرون جارية أبكارا، ومائتا تفصيلة اسكندرانية، وخمسة آلاف دينار برسم النفقة.
ثم بعد أيام جاءت الأخبار من نائب حلب بأن جاليش تمرلنك قد وصل إلى الرها. فلما تحقق السلطان ذلك عرض العسكر باللبس الكامل في الميدان بحضرة القان أحمد، فصار السلطان يعطى كل من عرضه من المماليك النفقة - وهي دون المائة دينار - فامتنعوا