فيها قبض النشو - ناظر الخواص الشريفة - على ابن فضيل شيخ مدينة ملوى، وكان له دواليب ومعاصر، وكان يزرع في كل سنة من القصب الحلو خمسمائة فدان. فلما قبض عليه النشو وجد عنده في حاصله أربعة عشر ألف قنطار سكر، ومثلها قطر نبات، ومثلها عسل أسود … هذا كله خارج عن العبيد والجواري والغلال وغير ذلك. فحمل جميعه إلى الحواصل السلطانية، وأقام ابن فضيل في الترسيم مدة، ثم أفرج عنه السلطان، وخلع عليه وأعيد إلى عمله بمدينة ملوى.
[سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة (١٣٣٨ م)]
فيها رسم السلطان للخليفة المستكفي بالله سليمان بأن يتوجه هو وأولاده وعياله إلى نحو مدينة قوص من أعمال بلاد الصعيد وأن يقيم بها، فخرج من يومه - هو وعياله وأولاده - فشق ذلك على الناس وتأسفوا غاية الأسف على ذلك، وفي ذلك يقول الشيخ زين الدين ابن الوردي:
أخرجوكم إلى الصعيد لأمر … غير مخز في ملتي واعتقادي
لا يغيركم الصعيد وكونوا … فيه مثل السيوف في الأغماد
قيل: وكان سبب تغيير خاطر السلطان على الخليفة المستكفي بالله أنه رفعت قصة إلى الملك الناصر وعليها خط الخليفة سليمان ليحضر محمد بن قلاون إلى مجلس الشرع أو يوكل، فشق ذلك على الملك الناصر وبقي في خاطره شيء من الخليفة سليمان حتى نفاه إلى قوص، فأقام بها إلى أن مات في شهر شعبان سنة احدى وأربعين وسبعمائة، فكانت مدة خلافته بمصر خمسا وثلاثين سنة وسبعة أشهر.
فلما نفاه السلطان إلى قوص أقامت مصر بلا خليفة أربعة أشهر والسلطان يتروى فيمن يوليه الخلافة. وكان الخليفة المستكفي بالله لما توجه إلى مدينة قوص عهد إلى ولده أحمد، وثبت عهده على يد قاضي قوص بشهادة أربعين رجلا من العدول، فلم يمض الملك الناصر ذلك العهد لما في نفسه من الخليفة سليمان، فجمع القضاة الأربعة، وعقد مجلسا بسبب ذلك، فلما رأى القضاة ذلك العهد تمسكوا بحكم قاضي قوص، فانقض المجلس ولم يول السلطان أحمد بن المستكفي بالله وصمم على عدم ولايته، ثم ولى ابراهيم أخا المستكفي بالله على حين غفلة، ولقبوه بالواثق بالله. وكان دميم السيرة … قال قاضي