للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دينار، ووقف عليها أوقافا كثيرة من ضياع وأملاك وبساتين وغير ذلك، وشرط في وقفه أشياء كثيرة من أنواع البر والخير مما لم يسبق فعله لأحد من الملوك من قبل ومن بعد، فكان كما قال القائل:

تمشي الملوك على آثار غيرهم … وأنت تخلق ما تأتي وتبتدع

فهو من حسنات الزمان … تحتاج إليه الملوك، ويفتقر إليه الغني والصعلوك.

قيل: وكان سبب بناء البيمارستان هذا أن الملك المنصور قلاون أمر مماليكه بأن يضعوا السيف في العوام لأمر أوجب تغير خاطر السلطان عليهم، فانهم خالفوا أمره في شيء فعله بجهلهم، فأمر بقتلهم، فلعب فيهم السيف ثلاثة أيام، فقتل في هذه المدة ما لا يحصى عدده، وراح الصالح بالطالح وربما عوقب من لم يجن.

فلما زاد الأمر عن الحد، طلع القضاة ومشايخ العلم إلى السلطان وشفعوا فيهم، فعفا عنهم، وكف عنهم القتل، فلما جرى ما جرى، وراق خاطر السلطان ندم على ما فعله، وبنى هذا البيمارستان، وجعل له جملة أوقاف على رواتب بر وإحسان، وفعل من أنواع الخير ما لا يفعله غيره من الملوك ليكفر الله عنه ما فعله بالناس لعل الحسنات تذهب السيئات كما قال الله تعالى.

[سنة ثلاث وثمانين وستمائة (١٢٨٤ م)]

فيها خرج السلطان إلى نحو البلاد الشامية، فوصل إلى حصن المرقب، ونصب المجانيق، وحاصره مدة ثمانية وثلاثين يوما، فطلب أهله الأمان، فأخذ بالأمان، ثم رجع إلى الديار المصرية.

[سنة اربع وثمانين وستمائة (١٢٨٥ م)]

فيها أرسل السلطان الأمير طرنطاي نائب السلطنة إلى حصار سنقر الأشقر الذي كان نائب الشام، وأظهر العصيان وتسلطن هناك كما تقدم. فلما وصل الأمير طرنطاي إلى نحو صهيون حاصر سنقر الأشقر أشد المحاصرة، فلما رأى سنقر الأشقر عين الغلبة، أرسل يطلب من الأمير طرنطاي الأمان، فأجابه إلى ذلك، فلما وثق منه بالأمان نزل إليه من قلعة صهيون، فحلف له الأمير طرنطاي أنه إذا توجه إلى السلطان لا يشوش عليه، ولا يحصل منه إلا كل خير … فأخذ عياله وأولاده وتوجه صحبة الأمير طرنطاي إلى نحو الديار المصرية. فلما بلغ السلطان مجيء سنقر الأشقر خرج إلى تلقيه، فلما وصل

<<  <  ج: ص:  >  >>