وكان الأتابكي قوصون أميرا عظيما مليئا مهيبا، وصار في دولة الملك الأشرف كجك صاحب الحل والعقد بالديار المصرية، وتصرف في أمور المملكة بحسب ما يختاره من ذلك.
فلما أمسك قوصون وسجن، خلع الأشرف كجك من السلطنة، ودخل إلى دور الحرم، وصار الأمراء والعسكر ينتظرون قدوم الأمير أحمد من الكرك حتى يتسلطن، فخطب باسمه في القاهرة قبل حضوره، وتلقب بالملك الناصر إلى أن حضر وتولى السلطنة كما سيأتي ذلك في موضعه … فكانت مدة سلطنتة الملك الأشرف كجك بالديار المصرية إلى أن خلع خمسة أشهر وأياما، فلم تكن إلا كسنة من النوم أو يوم أو بعض يوم. وأقام في الأسر والاعتقال بدور الحرم إلى أن مات على فراشه في دولة أخيه الملك الكامل شعبان، كما سيأتي ذلك في موضعه.
ولم يتسلطن من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاون أصغر منه سنا.
- الملك الناصر شهاب الدين
هو الملك الناصر، شهاب الدين أحمد، ابن الملك الناصر محمد بن قلاون، وهو الخامس عشر من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، وهو الثالث من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاون.
دخل القاهرة وبويع بالسلطنة بعد خلع أخيه كجك، وجلس على سرير الملك، وقبل له الأمراء الأرض في يوم الاثنين عاشر شوال سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، فلما جلس على سرير الملك، وتم أمره في السلطنة - وكان أكبر أخوته سنا، وأرجحهم في العين وزنا، فهو ليثهم الغالب، وشهابهم الثاقب - ولكن خابت فيه الظنون، وقيل معلم مجنون، فوقع منه أمور لا تقع إلا ممن أصيب في عقله … وذلك أنه أمر بقتل سبعة من الأمراء الذين كانوا في السجن بثغر الاسكندرية.
فلما فعل ذلك نفرت منه قلوب العسكر. ثم أنه خلع على الأمير طشتمر حمص أخضر واستقر به نائب السلطنة بمصر، وخلع على الأمير قطلوبغا الفخري واستقر به نائب الشام عوضا عن الطنبغا، وخلع على الأمير أيدغمش أمير أخور واستقر به نائب حلب عوضا عن الأمير طشتمر حمص أخضر، واستقر بجماعة من الأمراء في وظائف من أمسك منهم وسجن … فاستمر الأمر على ذلك نحو ثلاثة وثلاثين يوما.
ثم أنه قبض على الأمير طشتمر حمص أخضر وقيده وسجنه بالقلعة، ثم أنه أرسل جماعة من المماليك السلطانية خلف الأمير قطلوبغا الفخري الذي استقر به نائب الشام