كان مقيما بالكرك من أيام والده الملك الناصر كما تقدم. فلما خرج الأمير أحمد من الكرك تسامعت به النواب، فجاء إليه الأمير قطلوبغا الفخري نائب طرابلس، وحضر نائب حماه ونائب صفد وقصدوا التوجه إلى مصر، وأن يسلطنوا الأمير أحمد عوضا عن أخيه الملك كجك، وأن يقبضوا على الأتابكي قوصون. فلما خرجوا من الكرك توجهوا إلى نحو الشام ليقبضوا على الطنبغا نائب الشام لأنه كان من عصبة قوصون، فأرسل الطنبغا يطلب من النواب الأمان وأن يكون معهم تحت طاعة الامير أحمد بن الناصر. فلما خرج النواب على حمية قاصدين الديار المصرية وبلغ ذلك الأتابكي قوصون، أراد أن يقبض على الأمير أيدغمش أمير أخور كبير. فلما بلغ الأمير أيدغمش ذلك ركب هو والأمير آق سنقر والأمير يلبغا اليحياوي وجماعة من الأمراء وطلعوا إلى الرميلة وأحاطوا بالقلعة.
ثم أن الأمير أيدغمش نادى للعوام بأن ينهبوا بيت الأتابكي قوصون، ونادى للعسكر أن كل من لم يكن له فرس فليحضر إلى الإسطبل السلطاني ويأخذ له فرسا … فطلع إليه العسكر قاطبة، ففرق عليهم في ذلك اليوم عدة خيول من الإسطبل السلطاني. فلما تحقق الأتابكي قوصون أن الركبة عليه جلس بالقلعة وحصنها. ثم أن العوام دخلوا بيت قوصون وأحرقوا بابه، ونهبوا ما في اسطبله من الخيول والبغال، ونهبوا حواصله وما كان فيها من برك ونحاس وسلاح وصيني وسكر وغير ذلك وقوصون ينظر إليهم من شباك، فقال لبعض الأمراء الذين في الإسطبل:"يا مسلمين، أما تحفظون هذا المال الذي تنهبه العوام؟ … أما أن يكون لي أو للسلطان"، فقالوا له:"الذي معك من الأموال والتحف يكفي السلطان … وهذا شكرانه للعوام من عندك".
ثم أن العسكر صاروا كلما رأوا أحدا من مماليك قوصون، أو من حاشيته في الطرقات، قتلوه شر قتلة. واستمر الحال على ذلك إلى العصر من ذلك اليوم، فأرسل قوصون يطلب الأمان من الأمير أيدغمش، وقد تسحب من كان عنده من الأمراء والمماليك، فهجم عليه الأمير أيدغمش وقبض عليه وقيده وسجنه بالزردخانة، فلما تحقق العوام مسك قوصون نهبوا خانقاته التي هي خارج باب القرافة، وجامعه الذي بالقرب من بركة الفيل، ثم أن الأمير أيدغمش صار يمسك من كان من عصبة قوصون من الأمراء والخاصكية، ثم ارسل الأتابكي قوصون تحت الليل إلى ثغر اسكندرية وهو مقيد فسجن بها، فعمد أهل مصر وصوروا صورة قوصون في العلاليق وقد سمروه، وفي ذلك يقول المعمار: