للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها تولى قاضي القضاة الشافعية الشيخ شرف الدين يحيى المناوي، وكان قاضيا على القدر ديّنا خيّرا من أهل العلم والصلاح.

وفيها من الحوادث أن شخصا أعجميا يسمى الشيخ أسد الدين كان يدعى أنه شريف، فجاء إلى الشيخ على المحتسب وقال له: "اجمعني على السلطان فإني أعرف صنعة الكيمياء". .! فجمعه عليه فأوحى إليه أنه يطبخ له كيمياء، وأن هذا وجه حل، فانطاع السلطان إلى كلامه وأجرى عليه ما يحتاج إلهي من أساب ذلك، وصرف عليه جملة مال نحوا من عشرة آلاف دينار، ولم تصح معه الكيمياء، فكان يأخذ الحرير الأحمر بالأرطال ويوقده في النار، ولا يأكل شيئا فيه روح، فأتلف على الملك الظاهر جملة مال ولم يفد ذلك شيئا. فكان كما قيل في المعنى:

كاف الكنوز وكاف الكيمياء معا … لا يوجدان فدع عن نفسك الطمعا

وقد تحدث قوم باجتماعهما … وما أظنهما كانا ولا اجتمعا

فأوحوا إلى السلطان أن هذا يعبد النار، وتحدثوا في حقه بكلمات كثيرة، فأرسله السلطان في المدرسة الصالحية فحكم فيه بعض نواب القاضي المالكي بدر الدين التونسي بأنه كفر، فضربوا عنقه تحت شباك الصالحية، وكان له يوم مشهود.

[سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة (١٤٤٩ م)]

فيها توقف النيل عن الوفاء ثلاث أصابع وقيل أربعا، وأقام على ذلك أياما لم يزد شيئا، فرسم السلطان بأن يخرج الناس للاستسقاء، فخرج القضاة الأربعة وأمير المؤمنين المستكفي بالله سليمان ومشايخ العلم والصلحاء واعيان الناس، ولم ينزل السلطان فعز ذلك على الناس، وقد تقدم أن الملك المؤيد شيخ نزل بنفسه واستسقى مع الناس، وكان عليه جبة صوف أبيض، فلم يوافق الملك الظاهر على ذلك. ثم خرج أطفال المكاتب وعلى رءوسهم المصاحف، وخرج طائفة النصارى وعلى رءوسهم الانجيل، وأخرجوا معهم بعض أبقار وأغنام، وخرج معهم السواد الأعظم من رجال ونساء وأطفال رضع، والخلق يستغيثون: "يا الله ارحمنا". .. وكان يوما تسكب فيه العبرات، فتوجهوا نحو الصحراء عند الجبل الأحمر، وأحضروا هناك منبرا، وكان قاضي القضاة الشافعية يومئذ القاضي شرف الدين يحيى المناوي، فصعد المنبر وخطب خطبة الاستسقاء على جاري العادة، فلما أراد أن يحول رداءه - كما جرت به العادة في خطبة الاستسقاء - سقط الرداء إلى الأرض،

<<  <  ج: ص:  >  >>