فتطير الناس من ذلك الناس بذلك. وأنعم السلطان على ابن ابي الرداد ومعه رايات زعفران ونادى بزيادة أصبع ففرح الناس بذلك. وأنعم السلطان على ابن أبي الرداد بمائة دينار بسبب هذه الزيادة. ثم أن البحر نقص في تلك الليلة أصبعين.
ومن النكت اللطيفة أن بعض العلماء خرج في بغداد ليستسقي بالناس، وكان في السماء بعض سحاب وقت خروجه، فلما خرج ودعا للناس ورقع يديه بالدعاء تقطع السحاب وصحت السماء من الغيم، فخجل ذلك العالم ودفع إلى منزله. وفي ذلك يقول بعض الشعراء:
خرجنا لنستسقي بفضل دعائه … وقد كاد سحب الغيم أني لحق الأرضا
فلما ابتدا يدعو تكشفت السما … فما تم إلا والسحاب قد انقضا
فلما نزل البحر، وقد بقي على الوفاء ثمانية أصابع، رسم السلطان بأن يكسروا السد ان زاد البحر أو لم يزد، فكسروا السد فلم يجر الماء إلا قليلا، فدخل غالب الماء إلى بركة الفيل من البجمون، ثم نزل البحر من بعد ذلك ولم يزد شيئا، فاضطربت أحوال الديار المصرية، وماجت الناس على بعضها، وحصل الضرر الشامل، وشرقت البلاد، وعزت الأقوات وشحط السعر في القمح والشعير والفول وسائر الحبوب، وتزايد سعر كل شيء وتناهى سعر القمح إلى خمسة أشرفية كل أردب، ثم تناهى إلى سبعة أشرفية كل أردب، وغلا سعر كل شيء من البضائع حتى روايا الماء، وعم الغلاء سائر البلاد، وشرقت غالب البساتين وماتت الأشجار وماتت البهائم. فلما جرى ذلك حول الأمراء شونهم إلى بيوتهم ومعهم مماليكهم ملبسة خوفا من العوام ان ينهبوا القمح.
ثم أن العوام رجموا القاضي أبا الخير بن النحاس وكيل بيت المال، وقد بلغهم عنه أنه قال للسلطان:"إن العوام يأكلون بذهبهم حشيشا، ويأكلون فوقه باربعة أنصاف حلوى.
فالذي يأكلون به حلوى يأكلون به خبزا". .. فرجموه وهو نازل من القلعة، وخطفوا عمامته من على رأسه، وأخذوا خواتمه من اصابعه، ثم رجموا العلائي علي بن القيسي محتسب القاهرة بسبب الخبز، فانه وصل سعر كل رطل خبز نصفي فضة، وقاصى الصاحب أمين الدين بن الهيصم والأمير زين الدين الاستادار في هذه الغلوة من المماليك ما لا خير فيه، وصاروا يضربونهم ويرجمونهم، وتشحط اللحم والجبن وسائر البضائع، حتى الروايا الماء. واستمرت هذه الغلوة نحو سنتين، وقد رثى بعض الشعراء الخبز لما عز وتشحط بقوله.