للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عود الملك الناصر محمد بن قلاون]

عاد الملك الناصر محمد بن قلاون إلى السلطنة بالديار المصرية، وهي السلطنة الثانية.

دخل القاهرة يوم الخميس ثامن جمادي الأولى سنة ثمان وتسعين وستمائة. فلما دخل القاهرة زينت له زينة عظيمة ودقت له الكئوسات، فلما طلع القلعة لبس خلعة السلطنة - وهي جبة سوداء بطوق ذهب وعمامة سوداء وسيف بداوي متقلد به - وحملت القبة والطير على راسه، ومشت الأمراء بين يديه حتى جلس على سرير الملك، وقبل له الأمراء الأرض من كبير وصغير، وفي ذلك يقول الشيخ علاء الدين الوداعي هذين البيتين:

الملك الناصر قد أقبلت … دولته مشرقة الشمس

عاد إلى كرسيه مثل ما … عاد سليمان إلى الكرسي

ثم أن الملك الناصر عمل الموكب، وخلع على من سيذكر من الامراء وهم: الأمير أقوش الأفرم واستقر به نائب الشام، وخلع على الأمير سلار المنصوري واستقر به نائب السلطنة، وخلع على الامير بيبرس الجاشنكير، واستقر به اتابك العساكر، وأعيد الأمير سنقر الأعسر إلى الوزارة، وخلع على الأمير حسام الدين لاجين وأعيد إلى الاستدارية، وأنعم على جماعة كثيرة من مماليك أبيه بتقادم ألوف، وأنعم على جماعة أيضا من المماليك بالاقطاعات السنية، وتم أمره في المملكة وهو نافذ الكلمة وافر الحرمة.

[سنة تسع وتسعين وستمائة (١٢٩٩ م)]

فيها جاءت الأخبار من حلب بأن غازان ملك التتار قد زحف على البلاد ووصل أوائل عسكره إلى الفرات، وهو في عسكر ثقيل لا يحصى.

وغازان هذا هو ابن أرغون، بن ابغا، بن هلاكو الذي أخرب بغداد، وقتل الخليفة، وجرى منه ما جرى.

وكان سبب مجيء غازان وزحفه على البلاد هو ان قفجق، نائب الشام، لما بلغه أن الملك المنصور لاجين أرسل بالقبض عليه أخذ أولاده وعياله وبركه وماله، وخرج من الشام وتوجه هاربا إلى القان غازان، وحسن له أن الملك الناصر صغير، وأن الأمراء والعسكر بينهم الخلف، وأنه إذا زحف القان غازان على البلاد لا يجد من يرده عنها

فعند ذلك جمع القان غازان عساكر عظيمة، نحو مائتي ألف مقاتل.

فلما وصل الخبر إلى الديار المصرية اضطربت الأرض واجتمعت الأمراء بالقلعة وضربوا مشورة، فوقع الاتفاق على أن الأتابكي بيبرس الجاشنكير يتوجه إلى حلب ومعه خمسمائة مملوك قبل خروج السلطان، فخرج الأتابكي بيبرس على جرائد الخيل مع

<<  <  ج: ص:  >  >>