للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العسكر. ثم خرج الملك الناصر محمد بعده في خامس عشر صفر، وكان صحبته الخليفة الإمام أحمد الحاكم بأمر الله والقضاة الأربعة، وكان قاضي القضاة الشافعي حينئذ شيخ الإسلام: تقي الدين ابن دقيق العيد. وخرج مع السلطان سائر الأمراء والعسكر، فجد السلطان في المسير حتى وصل إلى دمشق في ثامن ربيع الأول سنة تسع وتسعين وستمائة، ثم خرج من دمشق فتلاقى مع جاليش غازان في مكان يعرف بسلمية قرب بعلبك، فوقع بينهما واقعة عظيمة لم يسمع بمثلها، وقتل من الفريقين ما لا يحصى عددهم، فأنكسر عسكر السلطان وهرب الملك الناصر إلى بعلبك، ونهب بركه وسائر برك العسكر، ولم يبق معه من العسكر إلا طائفة يسيرة.

ثم أن القان غازان زحف على ضياع الشام ونهب ما فيها وسبى أهلها. فلما بلغ أهل الشام ذلك خافوا على أنفسهم من غازان فيما فعله بأهل الضياع، فتشاوروا مع جماعة من العلماء الذين كانوا بدمشق، وخرجوا إلى غازان يطلبون منه الأمان، فخرج قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعي، والشيخ زين الدين الفارقي، والشيخ تقي الدين ابن تيمية الحراني، والقاضي نجم الدين ابن الصرصري، والقاضي عز الدين بن تركي، والشيخ عز الدين بن القلانسي، والقاضي جلال الدين القزويني، وغير هؤلاء جماعة من العلماء والصلحاء. فلما دخلوا على غازان ووقفوا بين يديه، وقف الترجمان وتكلم مع القان غازان في أمرهم وأنهم جاءوا يطلبون الأمان منه، فقال له غازان: "قل لهم أني قد أرسلت إليهم الأمان قبل حضورهم عندي". .. فرجعوا إلى دمشق واجتمع في جامع بني أمية الجم الغفير، وقرءوا على الناس الأمان الذي أرسله القان غازان إلى أهل دمشق. فلما قرئ عليهم ذلك الأمان وسمعوا فرح الناس بذلك، وحصل عندهم سكون بعد ما كانوا في اضطراب من أمر غازان.

ثم حضر الأمير قفجق الذي كان نائب الشام وهرب إلى غازان ونزل بالميدان الأخضر وأرسل يقول لنائب قلعة الشام: "سلم إلينا القلعة ولا تحوجنا إلى أن نحاصرك وتغلب بعد ذلك". فأرسل نائب القلعة يقول لقفجق: "ليس لك عندي جواب إلا السيف.

وكيف أسلم القلعة والملك الناصر على قيد الحياة؟ ".

فلما بلغ غازان ذلك حاصر القلعة، ونصب عليها المجانيق، وأحرق البيوت التي حولها فلم يقدر عليها.

ثم بلغه أن الملك الناصر تراجع إليه العسكر وهو قاصد نحو الشام. فلما كان يوم الجمعة ثاني عشر جمادي الأول رحل غازان عن دمشق وترك بها أميرا من التتار يقال

<<  <  ج: ص:  >  >>