له الأمير قطلو شاه بيك ومعه عسكر من التتار، وولى الأمير قفجق نائب الشام كما كان أولا … هذا ما كان من القان غازان.
وأما ما كان من أمر الملك وأمر عسكره فانه لما انكسر ودخل إلى بعلبك أقام بها أياما، ثم قصد التوجه إلى الديار المصرية، وجد في السير حتى وصل إلى القاهرة، فدخل على حين غفلة وطلع القلعة، وقد نهب جميع ما كان معه من البرك وكذلك الأمراء والعسكر.
فلما طلع القلعة فتح الزردخانة وفرق ما كان فيها من الملبوس والسلاح على العسكر، ثم فتح خزائن المال وأنفق على العسكر … فأعطى كل مملوك ثمانين دينارا، وجماعة منهم أعطاهم خمسة وسبعين دينارا، وجماعة منهم خمسة وستين دينارا، وأعطى مماليك الأمراء كل واحد خمسين دينارا ثم أنفق على عسكر الشام الذين حضروا بصحبته، فأعطى كل واحد منهم عشرة دنانير ذهبا، وعشرة ارادب شعيرا، وعشرة أرادب قمحا. ثم أنفق على سائر الأمراء والمقدمين والطبلخانات والعشراوات لكل واحد منهم على قدر مقامه. وكان القائم في تدبير مملكته الأمير سلار نائب السلطنة والأتابكي بيبرس الجاشنكير.
ثم أن الملك الناصر قصد العود إلى محاربة غازان، فبرز بخيامه في الريدانية، وخرج من القاهرة ثانيا. وكان صحبته الخليفة الإمام أحمد والقضاة الاربعة وسائر الأمراء والعساكر. فلما أقام في الريدانية تشكى العسكر وتغلبوا عليه فأنفق عليهم نفقة ثانية لترفع أحوالهم، ثم رحل من الريدانية وجد في السير، فتقدم في جاليش العسكر الأمير سلار نائب السلطنة، والأتابكي بيبرس الجاشنكير. فلما وصل الجاليش إلى دمشق تلقاهم الأمير قفجق وأظهر الطاعة للسلطان وباس الأرض، واجتمع بالأمراء وأشار عليهم بأن السلطان يرجع إلى القاهرة ولا يدخل دمشق، وسيجيئه الأمر كما يختار.
فعند ذلك رجع السلطان إلى القاهرة، وكان رجوعه إليها في ثامن عشر شهر رمضان من سنة تسع وتسعين وستمائة.
ومن النكت اللطيفة أن الملك المنصور قلاون - أستاذ الأمير قفجق المذكور - خرج يوما إلى نحو المطرية في أيام النيل على سبيل التنزه ومعه جماعة من الأمراء من أخصائه، فانشرح السلطان في ذلك اليوم وذبح خروفا سمينا بيده، فلما حضر السماط قدموا ذلك الرميس بين يديه فقطعه بيده، ثم أخذ الكتف منه وجرده من لحمه وتركه ساعة حتى جف، ثم لوحه على النار قليلا قليلا، ثم أخرجه ونظر في لوح الكتف ساعة وأطال التأمل، ثم تفل عليه وألقاه من يده وظهر في وجهه الغضب … فسأله بعض الأمراء عن ذلك - بعد ما سكن غضبه - فقال: "إن وليتم قفجق بعدي نيابة الشام يحصل منه غاية