للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذه السنة خلع السلطان على منكلي بغا الشمسي وولاه محتسبا بالقاهرة، وهو أول من تولى الحسبة من الأتراك ولم يتولها قبله أحد من الأتراك.

ومن الحوادث في تلك السنة أنه ظهر بالقاهرة شخص يدعي أنه يصعد إلى السماء ويكلم الباري في كل يوم مرة، فاعتقده جماعة كثيرة من عوام مصر فلما شاع أمره بين الناس رسم السلطان بأن يعقدوا له محلسا بالصالحية، فاجتمع له هناك القضاة الأربعة، فأراد القاضي المالكي أني يثبت عليه الكفر، فشهد جماعة من أهل الطب بأن في عقله خللا فسجنوه ولم يثبت عليه الكفر … وهذه الواقعة متفق على صحتها في زمن المؤيد شيخ.

[سنة سبع عشرة وثمانمائة (١٤١٤ م)]

فيها قوى عزم الملك المؤيد شيخ بأن يخرج إلى الشام بسبب عصيان نوروز، فعلق الجاليش وعرض العسكر وأنفق عليهم، وخرج من القاهرة في موكب عظيم وصحبته الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة الأربعة وسائر الأمراء، وقرر الأمير ططر نائب الغيبة إلى أن يحضر السلطان، والأمير سودون قرا سنقر حاجب الحجاب يحكم بين الناس. فلما وصل إلى دمشق وجد نوروز قد حصن دمشق وركب على سورها المدافع من كل جانب، فحاصره الملك المؤيد شيخ أشد ما يكون من المحاسرة، ونصب حول مدينة دمشق صاعدة مناجيق، ولا زال يحاصر نوروز مدة طويلة حتى ضجر نوروز وأرسل بطلب من شيخ الأمان على نفسه، وكان بقلعة دمشق. فما زالوا على ذلك حتى غلب نوروز وسلم نفسه إلى شيخ. وآخر الأمر قطع شيخ رأس نوروز في قلعة دمشق وأرسلها إلى القاهرة وعلقت على باب زويلة ثلاثة أيام ثم دفنت.

وكان شيخ باغيا على نوروز، فكأن لسان حال نوروز يقول:

يا غادرا بي ولم أغدر بصحبته … وكان مني مكان السمع والبصر

قد كنت من قلبك القاسي أخاف جفا … فجاء ما قلته نقشا على حجر

قال الشيخ تقي الدين بن حجة الشاعر، وفي النيل المبارك في سنة ست عشرة وثمانمائة في أوائل مسرى، فنزل الملك المؤيد وخلق المقياس وكسر السد على العادة - وذلك قبل أن يتوجه إلى دمشق بسبب نوروز - فأنشدته في ذلك اليوم مهنئا:

أيا ملكا بالله صار مؤيدا … ومنتصبا في ملكه نصب تمييز

<<  <  ج: ص:  >  >>