للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سنة تسع وسبعمائة (١٣٠٩ م)]

من الحوادث فيها أن النيل توقف عن الزيادة واستمر إلى آخر مسرى، ودخلت أيام النسيء وهو على ذلك، ثم نقص فضج الناس وماجوا في بعضهم، وتشحطت الغلال، وارتفع الخبز من الأسواق، وضج العوام.

ثم أن السلطان رسم بكسر السد من غير وفاء، لأن النيل كان نقص عن الوفاء ثلاثة أصابع، فكسر السد سابع توت من الشهور القبطية، ولم يخلق المقياس لذلك، لأن التخليق لا يكون إلا بالوفاء.

فلما كان السابع والعشرون من توت نقص النيل جملة واحدة، فكان منتهى الزيادة في تلك السنة خمسة عشر ذراعا وسبعة عشر اصبعا، فشرقت البلاد بسبب ذلك. وقد قال النصير الحمامي في هذه الواقعة:

إن عجل النوروز قبل الوفا … عجل للعالم صفع القفا

فقد كفى من دمعهم ما جرى … وما جرى من نيلهم ما كفى

ثم أن العوام صنعوا كلاما ولحنوه، وصاروا يغنونه في أماكن التفرجات وغيرها، وهو هذا:

سلطاننا ركين … ونائبو دقين

يجينا الماء من أين … هاتوا لنا الأعرج

يجيء الماء يدحرج

وكان السلطان بيبرس الجاشنكير لقبه ركن الدين، فسماه العوام "ركين".

وكان الأمير سلار أجرد، في حنكه بعض شعرات، لأنه كان من التتر، فسماه العوام "دقين".

وكان الملك الناصر محمد بن قلاون به بعض عرج، فسمان العوام "الأعرج".

فلما فشا بين الناس هذا الكلام بلغ السلطان بيبرس، فرسم بقبض جماعة من العوام نحو ثلثمائة إنسان، فضرب منهم جماعة بالمقارع، وأشهرهم في القاهرة، ورسم بقطع ألسنة جماعة منهم.

ثم أن السلطان بيبرس بلغه عن بعض الأمراء أنهم كاتبوا الملك الناصر وهو بالكرك، فقبض على جماعة منهم ونفاهم إلى ثغر الإسكندرية، وقبض على جماعة من المماليك السلطانية ونفاهم نحو قوص، وكانوا نحو ثلثمائة إنسان، فلما وقع ذلك من الملك المظفر

<<  <  ج: ص:  >  >>